هيكل يتحدث عن .. مبارك .. و زمانه 14/01/2012 11:12:58 م احمد مطاوع تبدأ صحيفة الأخبار عرض اولي حلقات كتاب " مبارك وزمانه .. من المنصة الي الميدان " الذي أصدره مؤخراً الكاتب الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل .   يقدم هيكل شهادته للتاريخ حول 30 عاماً من حكم النظام السابق و يذكر في مقدمته ان التهم الموجهة للرئيس المخلوع حسني مبارك ليست هي التهم الحقيقية التي يجب أن توجه لرئيس دولة ثار شعبه عليه و أسقط حكمه و ازاحه .  و يقول هيكل انه يتحدث في هذا الكتاب عن مبارك الذي لقيه قليلاً و أشتبك مع نظامه طويلاً ووصف هيكل صورته الأولي بأنها تشبه البقرة الضاحكة و قال متهكماً " كيف استطاعت بقرة ضاحكة ان تحكم مصر ثلاثون عاماً " ؟ مقتطفات من الحلقة الأولي  لم ألزم نفسي طوال هذه الصفحات بأوصاف للرئيس حسني مبارك من نوع ما يرد علي الألسنة والأقلام منذ أزيح عن قمة السلطة، وإنما استعملت الإشارات العادية طالما أن الرجل لم يُحاكم، ولم يُحكم عليه. ومع أن مبارك وصل إلي قاعة محكمة - ممدداً علي سرير طبي دخل به إلي زنزانة حديدية - فإن التهم التي وجُهت إليه لم تكن هي التهم التي يلزم توجيهها، بل لعلها الأخيرة فيما يمكن أن يوجه إلي رئيس دولة ثار شعبه عليه، وأسقط حكمه وأزاحه. والمنطق في محاكمة أي رئيس دولة أن تكون محاكمته علي التصرفات التي أخل فيها بالتزامه الوطني والسياسي والأخلاقي، وأساء بها إلي شعبه، فتلك هي التهم التي أدت للثورة عليه. أي أن محاكمة رئيس الدولة - أي رئيس وأي دولة - يجب أن تكون سياسية تثبت عليه - أو تنفي عنه - مسئولية الإخلال بعهده ووعده وشرعيته، مما استوجب الثورة عليه، أما بدون ذلك فإن اختصار التهم في التصدي للمظاهرات - قلب للأوضاع يستعجل الخاتمة قبل المقدمة - والنتائج قبل الأسباب، ذلك أنه إذا لم يظهر خروج مبارك علي العهد والوعد والشرعية، إذن فقد كان تصديه للمظاهرات ممارسة لسلطته في استعمال الوسائل الكفيلة بحفظ الأمن العام للناس، والمحافظة علي النظام العام للدولة، وعليه يصبح التجاوز فإصدار الأوامر أو تنفيذها - رغبة في حسم سريع، ربما تغفره ضرورات أكبر منه، أو في أسوأ الأحوال تزيداً في استعمال السلطة قد تتشفع له مشروعية مقاصده! وكذلك فإنه بعد المحاكمة السياسية - وليس قبلها - يتسع المجال للمحاكمة الجنائية، ومعها القيد والقفص! بمعني أن المحاكمة السياسية هي الأساس الضروري للمحاكمة الجنائية لرئيس الدولة، لأنها التصديق القانوني علي موجبات الثورة ضده، وحينئذ يصبح أمره بإطلاق النار علي المتظاهرين جريمة يكون تكييفها القانوني إصراره علي استمرار عدوانه علي الحق العام، وإصراره علي استمرار خرقه المستبد لعهده الدستوري مع الأمة! ومن هذا المنطق فإنني لم استعمل في الإشارة إلي مبارك أوصافاً مثل المخلوع أو المطرود أو حتي السابق، وإنما استعملت علي طول سياق هذه الصفحات ما هو عادي من الإشارات. وعلي أي حال فإنه من حق من يشاء - إذا شاء - أن ينزع إشارات استعملتها بمنطق ما قدمت، وأن يضع بدلها المخلوع والمطرود أو السابق! أردت بهذه الملاحظة أن أطرح مبكراً وجهة نظر لا أكثر، وحتي لا يأخذ علي أحد تهمة أدب يتزيد، أو تمسك بأصول أسقطتها الدواعي! بدأت التفكير في هذه الصفحات باعتبارها مقدمة لكتاب تصورت أن أجمع داخل غلاقه مجمل علاقتي بالرئيس حسني مبارك، وقد كانت علاقة محدودة وفاترة، وفي كثير من الأحيان مشدودة ومتوترة، وربما كان أكثر ما فيها - طولاً وعرضاً - لقاء واحد تواصل لست ساعات كاملة، ما بين الثامنة صباحاً إلي الثانية بعد الظهر يوم السبت 5 ديسمبر 1981 - أي بعد شهرين من بداية رئاسته - وأما الباقي فكان لقاءات عابرة، وأحاديث معظمها علي التليفون، وكلها دون استثناء بمبادرة طيبة منه، لكن الواقع أن الحوار بيننا لم ينقطع، وكان صعباً أن ينقطع بطبائع الأمور طالما ظل الرجل مسيطراً علي مصر، وظللت من جانبي مهتماً بالشأن الجاري فيها، وعليه فقد كتبت وتحدثت عن سياساته وتصرفاته، كما أنه من جانب رد بالتصريح أو بالتلميح، وبلسانه أو بلسان من اختار للتعبير عنه أو تطوع دون وكالة. وقد تراكم من ذلك كثير مكتوب مطبوع، أو مرئي مسموع، وفكرت أن أجعله سجلاً وافياً - بقدر الإمكان - لحوارات وطن في زمن، ولعلاقة صحفي مع حاكم ومع سلطة في الوطن وفي الزمن! لكني رُحت أسأل نفسي عن الهدف من جمع هذا السجل، ثم ما هو النفع العام بعد جمعه؟! جاء ذك في مقدمة كتاب " هيكل و زمانه .. من المنصة الي الميدان التي تنشرها صحيفة الأخبار و الشرق يوم الأحد 15 يناير 2012"   - وبداية فقد ورد علي بالي أن تسجيل ما جري في حد ذاته قد يكون وسيلة إلي فهم مرحلة من التاريخ المصري المعاصر مازالت تعيش فينا، ومازلنا نعيش فيها! - ثم ورد علي بالي أن كثيراً من قضايا ما جري مازالت مطروحة للحوار، وبالتالي فالتسجيل سند للوصل والاستمرار. - ثم ورد علي بالي أن بعض الملامح والإشارات في سياق ذلك الحوار ربما تكون مفيدة في التعرف أكثر علي لغز رجل حكم مصر، وأمسك بالقمة فيها ثلاثين سنة لم يتزحزح، وتغيرت فيها الدنيا، وظل هو حيث هو، لا يتأثر. وذلك لابد له من فحص ودرس! تركت خواطري تطل علي كل النواحي، ثم اكتشفت أن الاتجاهات تتفرع وتتمدد - لكن الطرق لا تصل إلي غاية يمكن اعتبارها نقطة تصل بالسؤال إلي جواب. وعُدت إلي ملفاتي وأوراقي، ومذكراتي وذكرياتي، وبرغم آثار كثيرة وجدتها، ومشاهد عادت إليّ بأجوائها وتفاصيلها، فقد طالعني من وسط الزحام سؤال آخر يصعب تفاديه - مجمله: - ماذا أعرف حقيقة وأكيداً عن هذا الرجل الذي لقيته قليلاً، واشتبكت معه - ومع نظامه - طويلاً؟! والأهم من ذلك: - ماذا يعرف غيري حقيقة وأكيداً عن الرجل، وقد رأيت - ورأوا - صوراً له من مواقع وزوايا بلا عدد، لكنها جميعاً لم تكن كافية لتؤكد لنا اقتناعاً بالرجل، ولا حتي انطباعاً يسهل الاطمئنان إليه والتعرف عليه، أو الثقة في قراره. بل لعل الصور وقد زادت علي الحد، ضاعفت من حيرة الحائرين، أو علي الأقل أرهقتهم، وأضعفت قدرة معظمهم علي اختيار أرقبها صدقاً في التعبير عنه، وفي تقييم شخصيته، وبالتالي في الاطمئنان لفعله! وإذا أخذنا الصورة الأولي للرجل كما شاعت أول ظهوره، وهي تشبه بـالبقرة الضاحكة La vache qui rit - إذن فكيف استطاعت بقرة ضاحكة أن تحكم مصر ثلاثين سنة؟! وإذا أخذنا الصورة الأكثر بهاء، والتي قدمت الرجل إلي الساحة المصرية والعربية بعد حرب أكتوبر باعتباره قائداً لما أطلق عليه وصف الضربة الجوية - إذن فكيف تنازلت الأسطورة إلي تلك الصورة التي رأيناها في المشهد الأخير له علي الساحة، بظهوره ممدداً علي سرير طبي وراء جدران قفص في محكمة جنايات مصرية، مبالغاً في إظهار ضعفه، يرخي جفنه بالوهن، ثم يعود إلي فتحه مرة ثانية يختلس نظرة بطرف عين إلي ما يجري من حوله - ناسياً - أنه حتي الوهن له كبرياء من نوع ما، لأن إنسانية الإنسان ملك له في جميع أحواله، واحترامه لهذه الإنسانية حق لا تستطيع سلطة أن تنزعه منه - إلا إذا تنازل عنه بالهوان، والوهن مختلف عن الهوان! وإذا أخذنا صورة الرجل كما حاول بنفسه وصف عصره، زاعماً أنه زمن الإنجاز الأعظم في التاريخ المصري منذ محمد علي - إذن فكيف يمكن تفسير الأحوال التي ترك مصر عليها، وهي أحوال تفريط وانفراط للموارد والرجال، وتجريف كامل للثقافة والفكر، حتي إنه حين أراد أن ينفي عزمه علي توريث حكمه لابنه، رد بحدة علي أحد سائليه وهو أمير سعودي تواصل معه من قديم، قائلاً بالنص تقريباً: - يا راجل حرام عليك، ماذا أورث ابني - أورثه خرابة؟! ولم يسأله سامعه متي وكيف تحولت مصر إلي خرابة حسب وصفه! وهل تولي حكمها وهي علي هذا الحال؟ وإذا كان ذلك فماذا فعل لإعادة تعميرها طوال ثلاثين سنة؟ وهذه فترة تزيد مرتين عما أخذته بلاد مثل الصين والهند والملايو لكي تنهض وتتقدم! ثم إذا كان قد حقق ما لم يستطعه غيره منذ عصر محمد علي - إذن فأين ذهب هذا الانجاز؟! - وكيف تحول - تحت نظامه إلي خرابة؟! - ثم لماذا كان هذا الجهد كله من أجل توريث خرابة خصوصاً أن الإلحاح عليه كان حقل الألغام الذي تفجر في وسطه نظام الأب حطاماً وركاماً، مازال يتساقط حتي هذه اللحظة بعد قرابة سنة من بداية تصدعه وتهاويه! وكيف؟!! - وكيف؟!! - وكيف؟!! النص الكامل في صحيفة الأخبار