الموت لنباش القبور 07/02/2012 04:28:53 م محاسن الهواري رجل يحاول الإنتحارفي  ليلة عاصفة ، وطوال تلك الليلة تدور أحاديث طويلة بينه وبين أنثاه، يعيد تقييم  ذاته في ضوء أرائها فيه . يرصد لنا الدكتور خليل النعيمي في روايته "تفريغ الكائن" أحاديث تلك الليلة بين الرجل استسلم للحياة ويريد الإستسلام للموت  أيضا، كائن بلا إرادة  وبين أنثي ثائرة تريد قلب العالم لتعيد تشكيله وفق هواها ومنطقها الخاص. المرأة التي تخاطب الرجل في الرواية تتخطي حدود الأنثي الجسد فهي رمز للـ"أنا العليا" في الإنسان التي تنشد التحرر من العبودية والتبعية. إنها تمثل رغبة الإنسان الفطرية التي ترفض الخضوع لهذا العالم  المزيف الذي يفضل النسخة علي الأصل والتمثيل علي الواقع والمظهر علي الوجود المقدس . إن رواية " تفريغ الكائن" هي في الحقيقة ثورة علي العقل العربي بكثير من أفكاره البالية المفعمة بالزيف، فالأنثي التي توجه النقد للبطل في الرواية طوال الليل ماهي إلا صفعة لكل الأفكار التي يتشدق بها العقل العربي الآن. ولعل أبرز مثال علي ذلك هو السخرية من الذين يهربون من بلادهم أملاً في التغيير، ظنا منهم  أنه "بمجرد تغيير المكان سيتغير الكيان" وأنه "لايجدد الوجود غير الحدود".! فهي تري أن هذا وهم ، فالتغيير الحقيقي يبدأ من تغيير الإنسان لذاته التي هي إنعكاس للعالم. فما يلزم الإنسان هو " تغيير خصائصه ،التخلص من إرثه المخيف:معرفته الشكلية ،وأصول نظرته العتيقة للعالم،تلك العناصر المبجلة للبعض،والتي هي أساس الحماقة عندهم:حماقة الغيرة،وحماقة المثل،وحماقة الإنتظار". فالمرأة الثائرة في الرواية تري أن الإنسان الذي لايثور علي نفسه ولايغير أفكاره ولايغسل عقله يعاني من فراغ الرأس وفراغ الرأس هو المسئول عن خواء النفس والروح", وهي تريده أيضاً  أن لايخاف لأن الخوف هو المرحلة التي تسبق الموت . فتلك المرأة الثائرة في الرواية بفلسفتها الخاصة  تعلمنا التفاؤل وتوقع الأفضل لأن " الأغبياء وحدهم هم الذين يتوقعون إحتمالات لن يواجهوها". وتعلمنا أن نتعامل مع الهزيمة علي أنها أفن أساسي في الحياة، وهي تطلب منه أن يكون ثورياً وأن يناضل ضد اللؤم والإستفزاز، فالإنسان الثوري مسئول عن خضوعه أكثر مما هو مسئول عن تمرده. وأن يثير كل ماهو غير عادل بداخله. أن يحب  الطرق المسدودة والأوضاع التي ليس لها حلول,,وهل تستحق حياة بلا عوائق أن تعاش ,فهذه الأنثي توجه رسالة لهذا الرجل، ورسالتها هي إسقاط علي العقل العربي بصفة عامة فهي تقول له "كل مواهبك إن وجدت تتضاءل أمام موهبة النبش لديك، أنت نباش قبور فعلاً، الناس تحفر لتردم وأنت تحفر لتفوح الروائح، روائح الماضي العفنة، تحيا وكأنه لاهم لديك إلا إستحضار الماضي، إستحضاره لالنقده وتجاوزه ولكن للتمتع بما فعلت من أفعال تافهة لكأن الحياة تمشي عندك إلي الوراء وبدلا من أن ترفع رأسك لتستنشق ريحاً جديدة أراك تدفن نفسك أكثر فأكثر في مزابل ماضيك السخيف،تتكلم عن الماضي وكأنك تتكلم عن الحلم المنشود،فردوسك المفقود هو في الحقيقة ماضيك". جدير بالذكر أن الدكتور خليل النعيمي روائي سوري يعيش في باريس منذ أكثر ثلاثين عاما، وقد درس الطب والفلسفة في نفس الوقت ويعتبر من أشهر أطباء الكبد  في باريس.