عندما يتسكع الموت والحب 2012- م 02:58:50 الاحد 12 - فبراير محاسن الهواري كأن شبحا يأخذك إلي متاهة، إلي مدينة مجهولة تعيش فيها كائنات عجيبة أسطورية، إنه عالم أخر غير عالمنا، ذلك الذي تقابله في رائعة "الحياة الجديدة " للكاتب التركي أورهان باموك. فمنذ السطور الأولي تقف مندهشا أمام العالم المبهم الذي تدور فيه الأحداث، تبدأ الرواية بحادث غاية في الغرابة يحدث للبطل إذ يقول " قرأت كتابا في يوم ما فتغيرت حياتي كلها..منذ الصفحة الأولي تأثرت بقوة الكتاب"، وبدون أن يخبرنا البطل عن هوية الكتاب يستطرد في سرد ما أحدثه الكتاب في حياته من تغيير مذهل فيقول "شعرت بجسدي ينأي بنفسه ويبتعد عن الكرسي، كان تأثيرا قويا لدرجة أن الضوء إنبعث من الصفحات وأنار وجهي وغشي تألقه عقلي وتفكيري". وهكذا يجد القارئ نفسه أسيرا للحيرة والتساؤل حول هوية هذا الكتاب الغامض المدهش، لا تعرف شيئا غير أن الكتاب قد وعد البطل بحياة جديدة. فيبدأ في الحلم بالعالم  الجديد الذي توجد فيه "الأشجار الخالدة والمدن المفقودة، الذي فيه نظرة حنونة خالية من اللوم والذنب، سحب من نار، محيطات من ظلام، أشجار قرمزية". يري البطل في هذا العالم "الحب في هالة بيضاء رائعة من اللون الأبيض تحمل طفلا بين ذراعيها، هذا الطفل هو حبيبته جنان". ومن الدهشة التي في أول الكتاب إلي التعقيد في أول الأحداث فبطل الرواية يحب جنان التي  هي غارقة في حب شخص آخر تغيرت حياته أيضا بسبب الكتاب، ولكنه فجأة يختفي وتمضي هي في البحث عنه مع البطل، وتبدأ جنان مع بطل الرواية رحلة البحث عن حبيبها الذي إختفي، فتجوب المدن المختلفة في الحافلات ليلا ونهارا وفي أكثر الطرق رعبا وطوال الوقت يتحدثان عن ملاك تحدث عنه الكتاب. يكتشف بطل الرواية وجنان أن هناك كثيرون غيرهم يبحثون عن نفس الملاك في نفس الشاحنات ويجوبون مثلهم تركيا بشوارعها ومدنها. تأخذ الأحداث مسارا جديدا بعد حادث تصادم يموت فيه شاب وفتاة كانا مثلهما يبحثان الملاك، وقبل موتهما يطلبان منهما أن يذهبا بدلا منهما  لحضور ما يسمي  بمؤتمر"التجار" وهنا يجدان أنفسهما قد باتا زوجان علي الورق..ولكن قلب البطلة يظل متعلقا بالفتي الآخر ويظل هو علي حبه العذري لها. يذهبان إلي المؤتمر الذي نستنبط  منه أنه لمجموعة من التجار الذين يحاولون الحفاظ علي عالمهم القديم من الإندثار والإنتهاء أمام طوفان التقنيات الحديثة، إنهم يقاومون كل ماجاءت به التكنولوجيا الغربية. يلتقي البطل في المؤتمر د.فاين والد محمد الذي تحبه جنان، ويخبره د.فاين أن محمد مات، ويعرض علي البطلان يتبناه وأن يكون بدلا من ابنه، ومع ذلك يشعر البطل بحقد وكراهية تجاه الفتي الميت لأنه  أخذ منه قلب الفتاة التي يحبها. تمضي الحياة ويعود البطل إلي مدينته ويتزوج وينجب طفلة، لكنه يبقي متعلقا بالملاك الذي تحدث عنه الكتاب، فجأة يري صورة الملاك علي غلاف حلوي الكاراميل..يبحث البطل في أصل الكلمة..فيعرف أن كلمة "كارا" تعني الأشياء الغامقة. وبينما هو عائد من إحدي رحلاته في البحث عن الملاك  يقع حادث تصادم مريع وفي لحظة موته ينتبه البطل إلي أن حياته التي كان يهرب منها باحثا عن الملاك كانت مليئة بأشياء جميلة، ضحكات ابنته الصغيرة، الأوقات التي يمارس فيها الحب مع زوجته. في لحظة الموت يري الملاك الذي كان يجوب مدن تركيا باحثا عنه، يكتشف أنه لا يشبه قط ما قرأه عنه، فليست صورته مثل الصور التي رأها علي أغلفة حلوي الكاراميل، بل إنه مرعب وقاسي تماما مثل قسوة كل ماهو حتمي، وقتها أدرك البطل روعة حياته السابقة التي لم يلتفت إليها، كانت حياته غارقة في الحب بينما كان يتسكع في الشوارع باحثا عن الموت، تمني وقتها لو يعود به الزمان إلي الوراء، فيعود لبيته ليدغدغ ابنته الصغيرة، ويمارس الحب مع زوجته ولكن للأسف كان كل شيء قد إنتهي.