الأشباح أيضا تموت 2012- م 04:42:52 الاثنين 05 - مارس                                 محاسن الهوارى بداخل كل إنسان منا يعيش شبح ..عبارة عن خوف من شيء ما، وعن حقيقة مخاوف الإنسان الوهمية تدور أحداث رواية الشلالات للكاتبة الأمريكية جويس كارول أوتس. الرواية يعتبرها البعض رواية أجيال، إلا أننى أرى أنها  ليست كذلك، لأنها تتمحور حول حياة شخصية واحدة هى "آريا" السيدة ذات الشعر الأحمر التى عاشت  تطاردها أشباح سكنت عقلها وأزعجتها  بهواجس نغصت حياتها لسنوات طويلة. تبدأ الرواية بمشهد انتحار "جليبرت" العريس الذى يلقى بنفسه فى شلالات هورسشو فى اليوم التالى لزواجه، بينما كانت عروسه ترقد وحدها فى الفندق. إستيقظت العروس لتجد رسالة فى إنتظارها: " آريا..آسف لايمكننى حاولت أن أحبك.. سأذهب إلى حيث يجب أن يأخذنى كبريائى أعرف ليس بوسعك الغفران لن يغفر الرب بكلامى هذا أعفيكِ وأعفِ نفسى من عهدينا". وقتها عرفت أنه قد رحل..وبكته وكأنها قد أحبته.. ويتضح لنا من ثنايا الرواية أن العريس المنتحر كان يعانى من إضطرابات نفسية ودينية  وجنسية. بعد إنتحاره رافقت آريا فرق البحث عن المفقودين فى الشلالات لمدة إسبوع عاشت خلاله فى ظروف صعبة إلى أن تم العثور على جثمان زوجها. وكتبت الجرائد المحلية عن أرملة عريس الشلالات ذات الشعر الأحمر. منذ إنتحار العريس تتغير أفكار البطلة حول نفسها إذ تبدأ فى الإعتقاد بأنها ملعونة وأن ثمة لعنة ما مكتوبة عليها. أثناء الفترة التى قضتها "آريا" مع فرق الإنقاذ التى تحاول العثور على جثمان الزوج المفقود تظهر شخصية "ديرك برنابى" الذى  يتعاطف معها ويقع فى حبها، وتظهر شخصيته خلال أحداث الرواية كرجل طيب القلب وسيم تعشقه النساء،وهو يبدو دائما وكأنه خرج للتو من إحدى صفحات مجلات الموضة. يعجبها وتتزوجه على الرغم من  معارضة أهلها لأنه لم يكن قد مضى شهر على حادث إنتحار زوجها الأول. تذهب للعيش معه فى الشلالات نفس المكان الذى شهد مآساتها..أو بالأحرى المكان الذى حلت عليها فيه اللعنة للمرة الأولى. تحمل آريا وتظل تطاردها الأشباح طوال حملها خوفا من أن يكون الجنين طفلا لزوجها الأول على الرغم من أن الطبيب قد نفى لها ذلك.  وتتجلى براعة جويس كارول أوتس فى تعمقها فى الشخصيات ،فهى تتوغل فى كل شخصية على حدة محللة أفعالها ودوافعها بدءا من البطلة آريا مرورا بزوجها الجديد وأفراد أسرته، ولا سيما أمه كلاودين تلك المرأة الجميلة التى إعتزلت العالم بعدما فقدت جمالها.  كما أن الكاتبة تجعلك تتفاعل مع الشخصيات وأفكارها ببساطة وعن قرب وتحديدا  شخصية آريا التى تشعر بها وتتفاعل معها بعمق..فالكاتبة تبهرك بالأفكار التى تدور فى عقل البطلة التى لديها تعريف لكل معنى ولاسيما معنى الحب فهى ترى أنه "قوة حياة لاتقل عن قوة الجاذبية الأرضية..تشعر بها ولا تراها".  تنجب آريا إبنها الأول "شاندلر" ،وبعدها تتمنى أن تنجب إبنا ثانيا تتحقق أمنيها،ثم تتمنى من جديد أن تنجب إبنة حتى تكتمل أسرتها، وهكذا لاتتوقف الأمنيات،وبإنجابها لإبنتها جولييت تكون الأشباح التى ملأت عقلها قد ماتت وإنتهت ،الأشباح التى كانت تراودها حول اللعنة المكتوبة عليها. ولكن كم عمر الربيع فى حياتنا أو بالأحرى الفترة التى نعيش فيها بدون خوف وبدون اشباح ؟ هذا السؤال الفلسفى تجيبنا عنه الكاتبة ببراعة من خلال الحياة القصيرة للربيع فى حياة البطلة،إذ سرعان ما يتسلل الألم ويعصف بحياتها مرة أخرى،إذ يتبنى زوجها "ديرك برنابى" المحامى الناجح قضية "نينا أولشاكر" السيدة التى مات أطفالها بسبب التلوث البيئى جراء دفن النفايات الكيمياوية الخطرة فى منطقة قناة الحب. تلك القضية التى عرفت بإسم "قضية قناة الحب". ويدفع ديرك برنابى حياته ثمنا لتبنيه هذه القضية الإنسانية إذ يقتله أصحاب المصانع التى تنتج النفايات الكيماوية حتى لا يدفعوا تعويضات لبناء العمال المصابين. ومن جديد تولد فى عقل آريا أشباح جديدة بأنها ملعونة،ولاسيما حينما يشيع قاتلوا زوجها أنه مات منتحر مثلما إنتحر زوجها الأول. وتصور جويس كارول أوتس حياة البطلة وحياة أبنائها وأفكار كل واحد منهم وتتغلغل بداخل رؤوسهم بقدرة تعبيرية فريدة على وصف أفكارهم ومشاعرهم، لدرجة أن كل  واحد منهم  قد بات بطلا بدوره ،شاندلر الإبن الأكبر الذى أحب الحفريات ،ورويال الذى يحمل ملامح والده ،وجولييت التى تشبه أمها ،وتمشى وكانها تسمع موسيقى نابعة من رأسها. ثم تأتى نهاية الرواية لتنطق الحقائق بعد عشرين عاما من الصمت ويعرف الجميع أن ديرك برنابى كان رجلا شجاعا وصاحب قضية عادلة وكان بطلا عظيم ويكرم فى النهاية فى حفل تأبين تحضره آريا وأبنائها وتتصدر صورة البطل المناضل الجرائد بعدما يكمل شخص آخر الطريق الذى بدأه ويربح ساكنى قناة الحب القضية فى النهاية. ونفاجأ بشاندلر يعمل محاميا مثل والده ديرك برنابى، وهكذا من جديد تموت أشباح أخرى وتتعلم أريا أن الأشباح التى تسكن عقولنا وخيالنا وتؤرق حياتنا لا تعش طويلا، بل إنها أيضا تموت.