سموم إلكترونية لعلاج الفقر فى "سوق الجمعة" 2012- م 12:10:10 السبت 24 - مارس إسراء النمر الخوف من تحطيم "الكاميرا" هو ما دفعني لإخفاء هويتي إلى مكان يموج بغضب المتهورين، ما فعلته هو مراقبة ما يحدث والتحدث بحذر مع باعة  يرمقوننى بنظرات حادة وكأننى متهمة. قبل دخولى إلى سوق الجمعة الذى يقع وسط مقابر الإمام الشافعى، نصحنى بياع عصافير أمام مسجد السيدة عائشة، قال إن اسمه "أسامة"، ومهنته الأساسية "محامى"، من الذهاب إلى هناك خوفا من الاحتكاك مع بلطجية لا يضمن التعامل معهم ، وأضاف بأنه (كرجل) يخشى الاحتكاك بالباعة ولا يخاطر بالذهاب إلى هناك. كنت أول راكبة فى الميكروباص المتجه إلى سوق الجمعة، ليتقافز بجانبى فى السيارة بسطاء بملابس قديمة ووجوه مغبره، في طريقهم إلى تسوق ما يناسب جنيهاتهم القليلة من: ملابس، و أطعمة، و أجهزة، وكل ما يلزمهم من احتياجات  بأسعار زهيدة. حياة كاملة تشاهدها وسط القبور وأنت في طريقك إلى السوق، لتجد عينيك وقد تحولت إلى ما يشبه الكاميرا ترصد لقطات لأناس يعيشون داخل مقابر، وأطفال يصنعون الكحك من الطين وربما من عظام الموتى(!)، ونساء يرتدين ملابس سوداء وكأنهن في حداد دائم، أما الرجال في السوق فهم يبيعون الخردة والملابس القديمة والأطعمة الفاسدة.                        ربما تتهم هؤلاء بالمافيا التى تحقن السموم فى أجساد الفقراء، لا تتسرع بالحكم عليهم، فبالتحدث إليهم ستكتشف أن البائع والمشترى مجبر على ذلك ، الجميع سواسية في الفقر!. أبحرت فى أمواج فوضى السوق بحثا عن نفايات إلكترونية ، كلما سألت عن أجهزة التلفزيون والكمبيوتر، يشير أحدهم بسبابته إلى شارع جانبى، واصلت السير إلى أن وجدت ضالتى، كانت هيئة الرجل خلف بضاعته تبدو كـ"معلم" متمرس في مهنته، وبجواره زوجته يفترشون على منضدة اصطفت عليها أجهزة متعددة: تليفزيونات، ريسيفيرات، فيديوهات، بلاى ستيشن، بينما زملائه البائعين من حوله، وأمامهم أكوام من نافيات إلكترونية تحيط بى من كل جانب. كان مايهمنى هو إلتقاط العديد من الصور التى توضح أنواع النافيات الإلكترونية، ترددت فى إخراج "الكاميرا"، تذكرت نصيحة رؤساءنا: التصوير بالموبايل أفضل من استخدم الكاميرا التي تتسبب في خلق المشاكل، و...فعلت ذلك لكن لقطات المحمول لا تمتلك عنصر الجودة، نقذنى وجود بائع للكاميرات؛ خطر ببالى أن أشتكى له من عيوب في كاميرتي قد يستطيع معالجتها، وهذا ما مكنني من التقاط بعض الصور للنافيات الإلكترونية، كى أبرهن له على صحة ما أقول، بائع الكاميرات لم يخيب ظنى، وعرض لى كاميرات فيلمية قديمة يراها  أفضل من الرقمية التي معي، سألته عن سعرها  ففاجئنى بسعر ماركة عالمية مشهورة  بين 75 إلى 150 جنيه. تركت بائع الكاميرات لأتحدث إلى خالد- بائع نفايات الموبايلات ، وقد تجمهر حوله الكثير من المشترين، أغلى موبايل لديه "تاتش" سعره  70 جنيها، و يبيع  كافة أنواع البطاريات المتهالكة، فسألته عن موبايل أرخص أهديه لأخى ، فأجابنى بأسم اشهر ماركات بسعر 30 جنيها فقط، طلبت منه إلتقاط صورا للموبايلات كى يختار أخى ما يشاء، ولم يمانع. إختراع القصص كان وسيلتي لالتقاط الصور والتحدث مع الباعة، وهو ما جعلني أقول لبعض الباعة أنني طالبة بكلية الهندسة وأرغب في تصوير الأجهرة لتوثيقها ضمن بحث أعكف عليه؛ هناك من رحّب، ومن رفض بشدة، لتبدأ الكاميرا رحلتها في التقاط المشاهد للنفايات الإلكترونية: تليفزيونات قديمة، أجهزة راديو، وأطباق (الدش)، وشاشات كمبيوتر، وسى ديهات، و أجهزة تليفونات، وشواحن موبايل وشرائط فيديو. وعند بائع الريموت كنترول تهجم علي زميله ظنا منه أننى ألتقطت صورا له، اتهمنى بأنى من الذين يفضحونهم  على النت بهدف تشويه صورة مصر فى الخارج، أقنعته ببرائتى، فسمح لى بإلتقاط صورا عديدة وكشف لى عن  مصدر هذه النفايات الإلكترونية التي يجهل مفهومها وأضرارها، قال أنها إما مسروقة من التي يقومون بإصلاحها وبيعها للناس، أو غير صالحه للإستعمال ومصدرها الروبابكيا، وأنهم مضطرون إلى ذلك لمحاربة الفقر والغلاء.      لم أكن أعلم أن هناك من يرقبنى ويتتبع خطواتى بالسوق منذ إلتقاطى أول صورة، وجدته يهمس في أذني "ليس هذا بالمكان المناسب لك، ماذا تريدين؟!"، رعبي من طريقته، جعلتني مضطرة للكشف عن  هويتى، فنصحنى أيمن "بائع نافيات إلكترونية" بإلتزام الصمت حتى لا يضرنى أحد، وتحدث عن غلابة يبحثون عن بضاعة رخيصة، دون النظر إلى مصدرها، حتى لو كانت مسروقة، رافعين شعار "الذنب يقع على من سرق وليس على من اشترى بضاعة مسروقة" !!     وقال أن "أجهزة الكمبيوتر ومكوناتها" أكثر النافيات إقبالا عليها، خاصة من جانب الشباب وأصحاب مراكز الصيانة والطلاب ومهندسي الكمبيوتر، الذين يأتون إلينا من محافظات مصر كافة، وكل منهم يكون له غرض ما يبحث عنه، فهذه المكونات منها السليم ومنها ما به عيوب وقد لا تصلح للعمل، ومع ذلك هناك من يُقبل عليها لإصلاحها أو ليستخدمها كقطع غيار بديلة لما يمتلكه، أما عن الأسعار فهي تختلف حسب حالة القطعة جديدة أو قديمة وكذلك وفقا لنوعها.