"قسم الأربعين"..من دار للأيتام لسجن ثم شاهداً على الثورة 2013- م 11:07:37 الخميس 24 - يناير    السويس- حسام صالح   يتوسط "قسم الأربعين" المحترق، شارع الجيش بالسويس وهو من أبرز الأماكن الشاهدة جغرافياً وتاريخياً على الثورة بالسويس. انشأ هذا القسم منذ أكثر من 94 عاماً، وكان ملجأ للأيتام تديره جمعية كانت تسمى آن ذلك "بالمواساة"، وافتتحه الملك فؤاد الأول في سبتمبر عام 1929، وفي عام 1948 تم تحويله إلى مبنى للقسم، ليبقى كما هو مملوكا لجمعية المواساة والتي طالبت أكثر من مره باسترداد المبنى والأرض التي انشأ عليها. والغريب في أمر هذا القسم، أنه يقع في الحدود الفاصلة بين حي الأربعين وحي السويس لدرجة أنه في حال وقوع أي جريمة أو حادثة بشارع الجيش أمام القسم أو على أسواره أو داخلة أيضا، فإن مباحث قسم السويس هى المسؤولة عن التحري عنها والتحقيق فيها وليس مباحث قسم الأربعين. وإذا كان موقعه الجغرافي بالنسبة لقلب المدينة غريب نسبياً، فإن تاريخه أيضا متناقضاً مع نفسه، ففي يوم الأربعاء 24 أكتوبر من عام 1973 الموافق 28 رمضان، لجأت القوات الإسرائيلية التي دخلت السويس لضربها وحصارها إلى الاحتماء بالقسم بعد أن ضرب الفدائيين مركباتهم دباباتهم  بقذائف الأر بي جيه. وارتبك طابور المدرعات وتكدس أمام قسم شرطة الأربعين، وخرج في نفس اللحظة المئات من الجنود والأهالي إلى ميدان الأربعين والمنطقة المحيطة بالقسم وأطلقوا النار نحو الدبابات.  وصدرت تعليمات للقوات بالاحتماء بأقرب مبنى وهو قسم الأربعين الذي كان حينها عبارة عن مبنى من طابقين تحميه السواتر الترابية من كل جانب وبداخلة عدد من الجنود والضباط.  وتمكن رجال المقاومة الشعبية من حصار القوات الاسرائيلية بالقسم وأدركوا حينها أنه لا جدوى للمقاومة واستمرار القتال ضد السوايسة، بعد أن خذلتهم القوات الأخرى بالخارج، فرفعوا الراية البيضاء، وطالبوا بالاستسلام في مقابل الحفاظ على حياتهم، لكن طلقات النيران استمرت من المتواجدين خارج القسم لتصفية من أتى غازياً محتلاً.   وبعدها قرر أبطال المقاومة الشعبية اقتحام القسم لتطهيره من دنس الإسرائيليين، فسقط أول 3 شهداء فدائيين خلال محاولتهم إخلاء القسم، وكان أولهم إبراهيم سليمان، الذي قفز إلى داخل وأراد أن يلاقي العدو وجها لوجه فلمحه قناص وأطلق علية النار ليسقط أول شهيد على سور القسم خلال محاولته تطهيره وإخلاءه من العدو. وفي يوم الجمعة 28 يناير 2011، قرر الأحفاد حرقه بقنابل المولوتوف، بعد أن اكتملت الصورة الوحشية للقسم في رؤوسهم، فكان بالنسبة لهم كسجن "الباستيل" في فرنسا، فتحول في أذهانهم طرازه المعماري إلى ما يشبه بقلعة تعذيب لكل من يدخل القسم متهماً كان أم بريئاً. وتميز ضباط هذا القسم في عهد مبارك، بوحشية وعنف تشهد عليه جدران غرف القسم، حيث علقوا على أحد نوافذه الشاب عربي عبد الباسط، الذي كان من أبرز الذين قادوا تظاهرات 25 يناير بالسويس، وتركوه معلقاً منذ مساء 25 حتى صباح اليوم التالي مع مناوبة تعذيبه وتلفيق تهم قتل المتظاهرين له ولمن قبض عليهم معه. يبقى "قسم الأربعين" الآن مجرد مكان خرب حرص الذين كانوا يترددوا عليه بالقوة الجبرية قبل الثورة أن يسجلوا ذكرياتهم على حوائطه وجدرانه والتي أصبحت جداريه لسجلات التعذيب التي تمت على أيدي ضباطه ومخبريه. وبعد عامين من الثورة، لا يزال "قسم الأربعين" مزاراً ومتحفاً لأبناء المدينة، ولم يحضر إلى السويس غريبا بعد الثورة إلا وتوجه لزيارته ورؤية شاهد حقيقي على الثورة، رغم أنه أصبح وكراً للصوص ومكاناً خرباً تملؤه القمامة ويرتاده متعاطي المواد المخدرة ليلاً. يذكر أن هناك دعاوى أطلقت بالسويس لتحويل القسم إلى متحف، لكن الحالة الفنية لبناية القسم وجدرانه لن تتحمل ذلك بعد أن أثرت عليها النيران.