عادل حمودة يكتب: أزمة تشكيل الحكومة الألمانية الجديدة تدخل في نفق مظلم !

الكاتب الصحفي عادل حمودة
الكاتب الصحفي عادل حمودة

لأول مرة في تاريخ البلاد تدخل
أحزاب في ائتلاف جامايكا ولكنها مختلفة في التوجهات والأهداف !

حزب الخضر ينتقد ميركل
لأنها تنازلت عن قضايا حقوق الإنسان مقابل صفقات تجارية ويطالب بلم شمل اللاجئين ومنع استخدام الفحم والنفط بعد عامين فقط !

الحزب الديمقراطي الحر ينسحب من المباحثات بعد أن رفضت ميركل تخفيض الضرائب وعلاج أزمة اللاجئين !


تراجع الاهتمام بحقيبة الخارجية والصراع علي حقائب المالية والاقتصاد والطاقة والتعليم والتأهيل !

الرئيس الألماني »شتاينماير»‬ يحاول إنقاذ الائتلاف بإعادة الليبراليين إليه ولكن الفرصة ضعيفة !

لوفشل شتاينماير  فإنه لا بد من إنتخابات جديدة تخشاها الأحزاب التقليدية حتي لا يستفيد منها الحزب اليميني حزب البديل من أجل المانيا !

صعب علي ميركل أن تقبل بحكومة أقلية لأنها لن تتحكم في الميزانية ولن تقدر علي الدعوات المتصاعدة برحيلها !


 لفت أسمه سمعي .. »‬ الكسندر رضوان » .


 شخصية سياسية برلمانية تمتد جذورها إلي صعيد مصر .. بالتحديد أسيوط . 



 جاء والده في عام 1955 لدراسة الهندسة لكنه أحب فتاة ألمانية وتزوجها واستقر في بلادها وحصل علي جنسيتها وأنجب الكسندر الذي لا يزال »‬ معتزا بالجزء المصري فيه »‬ علي حد قوله . 


 الكسندر محام .. يعمل في صناعة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات .. ونجح في أن يصبح عضوا في البرلمان عن حزب الإتحاد المسيحي ( بافاريا ) وهوالحزب الملتصق دائما بالحزب الديقراطي المسيحي .. حزب الأغلبية الذي جاء بالمستشارة إنجيلا ميركل إلي الحكم ثلاث مرات بسهولة ..  لكن .. بعد الإنتخابات البرلمانية الأخيرة التي أجريت في 24 سبتمبر الماضي اصبحت هناك صعوبة في أن تحظي ميركل بفترة حكم رابعة . 


 حصل حزب ميركل وحزب رضوان علي 33 % من جملة 61 مليون صوتا بتراجع عن إنتخابات عام 2013 بنسبة 8 % . 


 وعادة ما كان ذلك التحالف يدخل في ائتلاف مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي تراجع التصويت له هوالآخر مما جعل رئيسه مارتن شولتس يقرر عدم تجديد ائتلافه مع ميركل ليعود الحزب إلي المعارضة حتي يسترد ما فقد من شعبية . وفي الوقت نفسه دخل الحزب اليميني المعادي للمسلمين والمهاجرين ( حزب البديل من أجل المانيا ) البرلمان الإتحادي ( البوندستاج ) لأول مرة بحصوله علي 13 % من الأصوات . 


 وبخروج الحزب الاشتراكي من تحالف ميركل اتجهت إلي الحزب المسيحي الديمقراطي الحر وحزب الخضر ليكون تشكيل الحكومة الألمانية لأول مرة في تاريخها من أربعة أحزب مختلفة التوجهات والبرامج وصفها لي عضوالبرلمان أولريش شوللر بأنها »‬ مرحلة جديدة ومثيرة »‬ مضيفا : »‬ لا نعرف هل ولادة الحكومة متعثرة أم اننا أمام حمل كاذب ؟ »‬ . 


 كانت قضية اللاجئين واحدة من أبرز القضايا التي غيرت الخريطة الحزبية في المانيا .. بدأت الصحف والقنوات والجمعيات الأهلية حماسها للاجئين بدوافع إنسانية .. فاستجابت ميركل لها وفتحت الحدود ليدخل مليون و300 ألف لاجئ .. لكن .. سرعان ما راح حزب البديل اليميني يترصد كل أخطاء اللاجئين ويستخدمها في الهجوم علي الحكومة .. وانقلبت الآية تماما بعد حادث التحرش الجماعي الذي جري ليلة نهاية عام 2015 والذي اتهم فيه لاجئون من جنسيات مختلفة حتي أني سمعت من كريستيان هوفمان مسئولة الشرق الأوسط في مجلة »‬ شبيجل» : »‬إنهم مستعدون لتحمل الإرهاب لكنهم غير مستعدين لتقبل التحرش » . 


 واضيف إلي التحرش صعوبة إندماج المهاجرين في المجتمع وضعف خبرتهم المهنية بجانب عدم تعلمهم اللغة الألمانية واختفاء 30 ألف منهم لم يسجلوا لعدم وجود أوراق شخصية لهم ويشتبه في وجود نحوالف إرهابي بينهم . 


 فرضت قضية اللاجئين نفسها في مباحثات تشكيل الحكومة .. حزب الأغلبية ( المسيحي الديمقراطي ) يري أنه حقق معجزة بالتعامل مع هذا العدد الضخم غير المسبوق من اللاجئين .. الحزب الديمقراطي الحر يري ضروة التخلص من نصف اللاجئين علي الأقل .. أما حزب الخضر فينحاز إلي اللاجئين ويري أن الحكومة قصرت في استيعابهم .. بل  ويطالب بفتح الباب أمام عائلاتهم فيما يسمي »‬ لم الشمل » . 
 هناك أزمة أشد يثيرها حزب الخضر سمعت تفاصيلها من مارتن بيزل أمين عام مؤسسة فيستر فيلة .
 مارتن بيزيل كان وزير دولة في الخارجية سابقا وسبق أن شغل منصب الوزير الإتحادي للاقتصاد والطاقة وشغل من قبل مناصب تنفيذية في الحزب الديمقراطي الحر . 


 أما مؤسسة »‬ فيستر فيلة »‬ فتسمي علي اسم وزير الخارجية الإتحادي جويدوفيسترفيلة الذي كشف علنا عن هويته الجنسية المثلية واقترانه بمن وقع في هواه . 


 أعلنت المؤسسة بعد وفاته في ديسمبر 2013 وهي مؤسسة لا تهدف إلي الربح تهدف إلي تعزيز الديمقراطية في البلدان النامية سياسيا واقتصاديا بدعم الطبقات الوسطي فيها من خلال برامج التدريب المهني والتأهيل الشخصي . 


 قال لي بيزيل : إن حزبه ( الذي يرأسه كريستيان ليندنر ) لم يكن في حكومة الأربعة أعوام الأخيرة وقد وافقنا علي دخول الآئتلاف حتي تتشكل الحكومة الجديدة فهذه الحكومة إذا لم تتشكل سيضطر الرئيس الألماني شتاينماير إلي الدعوة إلي إنتخابات جديدة وكل الأحزاب تخشي من الدخول في معركة إنتخابية جديدة لأنها تشعر بأنها ستخسر أكثر وستجد نفسها في وضع أسوأ . 


 ويضيف : إن حزب الخضر يعتبر قضايا المناخ والبيئة علي قائمة أولوياته بشروط مستحيل قبولها في المدي القريب . 


 يطالب حزب الخضر بالتخلص من محطات الكهرباء التي تعمل بالفحم ويطالب بمنع استعمال الوقود المستخرج من النفط في تسيير المركبات بعد عامين فقط وهوما يهدد صناعات مؤثرة في الاقتصاد وعلي رأسها صناعة السيارات والمعدات الثقيلة .


 يكفي القول بأن صناعة السيارات الثالثة من حيث حجم الإنتاج لكنها الأولي من حيث الإبتكار ويعمل بها   47 ألف خبير وعامل وموظف وتحقق أرباحا سنوية تزيد عن الستة مليارات يورو كما تأتي صناعة المركبات الألمانية في المرتبة الرابعة بعد الولايات المتحدة واليابان والصين . 


 ويرفض حزب الخضر السياسة الخارجية البرجماتية ( النفعية ) لبلاده ويري أنها تتجاهل قضايا الحريات وحقوق الإنسان في كثير من دول العالم مقابل صفقات تجارية تكسب من ورائها الكثير علي حساب القيم الأخلاقية . 


 وربما لهذا السبب لا نجد ــ لأول مرة ــ حزبا يريد وزارة الخارجية الذي أصبحت علي ما يبدومن نصيب الحزب الاقل في الائتلاف . 


 وتحدثت الصحف عن ترشيح حزب الخضر هوكيم أوزدمير ( وهومن اصل تركي لكنه شديد العداء لحكومة أردوجان ) للخارجية لكن الحزب سرعان مانفي ذلك مؤكدا أنه يتفاوض علي وزارات الاقتصاد والطاقة المناسبة لتوجهاته . 


 وبذلك النفي أصبحت الخارجية ــ علي ما يبدو من نصيب الحزب الديمقراطي الحر الذي سبق ان قدم للخارجية ثلاث وزراء مثل كلاوس كينيل وأوجرنش وفيستر فيلة .


 وبينما يدعم الحزب الديقراطي الحر زيادة ميزانية التسليح في ألمانيا التي يتبناها الحزب المسيحي الديمقراطي لتصبح مثل الولايات المتحدة ( 3 % من الميزانية ) فإنه يطالب في الوقت نفسه بتخفيض الضرائب وهوما يرفضه حزب ميركل . 


 ولوكانت ألمانيا تفضل إدارة سياستها الخارجية بمشاركة دولة أخري فإنها بعد أن اختلفت مع الولايات المتحدة ــ بسبب تصريحات ترامب المعادية لها ــ اتجهت إلي فرنسا وفي المقابل قبلت مناقشة اقتراح الرئيس الفرنسي ماكرون بتشكيل  وزارة مالية علي مستوي الإتحاد الأوربي وهوما رفضه الحزب الديمقراطي الحر مؤكدا أن ذلك سيفرض علي بلاده ــ التي تتمتع بفائض في ميزانيتها العامة ــ تمويل دول متعثرة في الإتحاد الأوربي . 


 وحسب بيزيل فإن حزبه يطالب هذه المرة إما بوزارة المالية أوبوزارة الاقتصاد أوبوزارة التعليم والتأهيل وإن كان يعتقد صعوبة الحصول علي المالية. 


 وبينما تسعي ميركل جاهدة للتوفيق بين الرغبات الحزبية المتناقضة والمختلفة والمتصارعة راحت الصحف تشن هجوما شرسا عليها بل أكثر من ذلك فتحت لها »‬ الدفاتر القديمة » . 


 سمعت من مصطفي السيد المدير السابق لـ »‬ دويتش فيلة »‬ العربية وهوفلسطيني الأصل : إن الإصلاحات الاقتصادية بدأت في عهد المستشار جيرهارد شرودر الذي تولي منصبه في الفترة ما بين 1998 و2005 ورغم إنتمائه للحزب الاشتراكي فإنه شجع الشركات الخاصة علي مزيد من الاستثمارات بقوانين جديدة بدت ضد العمال لكنها في الحقيقة خلقت فرص عمل غير متوقعة وانقذت ألمانيا من أزمة الكساد التي اجتاحت العالم في عام 2008 . 


 لكن في عام 2005 خسر حزب شرودر الانتخابات وصعد حزب ميركل التي جنت كل ما نفذ من إصلاحات دفع وحده ثمنها وأدت إلي إعتزاله الحياة السياسية . 


 وبعد أربع دورات ناجحة في الحكم وجدت ميركل نفسها في الموقف الذي سبق أن وضعت فيه شرودر ورغم أنها صرحت بعد الانتخبات الأخيرة بأنها »‬ سعيدة بالفوز » فإن حزبها تراجع بشدة مما أثار انتقادات حادة لها سرعان ما تضاعفت بعد فشلها في تشكيل الحكومة الجديدة أوالحكومة الرابعة لها .
 بل أكثر من ذلك أعلن الكسندر جاولاند الزعيم البارز في حزب البديل بأن »‬ميركل فشلت» وهوأمر جيد »‬ وحان الوقت لرحيلها». 


 في 21 نوفمبر الماضي أجمعت وسائل الإعلام الألمانية ( المقروءة والمسموعة والمرئية) علي فشل ألائتلاف الحكومي الذي يعرف بائتلاف جامايكا بعد إنسحاب الحزب الديمقراطي الحر منه »‬ لعدم وجود مواقف مشتركة وثقة كافية » .. »‬ كما أنهم أختلفوا في قضية تحديث ألمانيا » .. وذكر أن الاختلاف حول قضية اللاجئين تسبب في اختلاف حول تشكيل حكومة مستقرة .. مضيفا : »‬ من الأفضل الاتحكم من أن تحكم بطريقة خاطئة» . 


 وذكرت صحيفتا »‬دي فيلت » و»‬ تاج شبيجل» : إن الرئيس الألماني شتاينماير ضد إجراء إنتخابات جديدة. 


 وكنت قد سمعت من رئيس تحرير »‬ دي فيلت» شتيفان أوست الرأي نفسه عندما التقيته في مكتبه وهوما سمعت أيضا من كريستيان بوهمة مسئول الشرق الأوسط في صحيفة »‬ تاج شبيجل» ونحن نتحدث عن متاعب المنطقة العربية . 


 وراح الرئيس شتاينماير  يتصل بالحزب الديمقراطي الحر ليلتقي به في قصره ( قصر ال بيلفو) ليعيده إلي الائتلاف بعد نفي ميركل بأنها تريد انتخابات جديدة وإن لم تخف أسفها لعدم وجود أرضية مشتركة بين أحزاب الائتلاف الأربعة ووعدت بأن »‬ تبذل جهدا جديدا لتحقيق النجاح » . 


 وفي الوقت نفسه لم يغير الحزب الاشتراكي موقفه ويعود للتحالف مع حزب ميركل رغم أنه لوفعل ذلك فإن ألزمة ستحل لكنه يرفض أن يكون الحل علي حساب حزبه الذي ارتفعت شعبيته فور إعلانه بعدم دخول الحكومة الجديدة . 


 وألقي حزب الخضر اللوم علي الحزب الديمقراطي الحر وقال يورجن تريتين القيادي فيه : »‬ لقد حاول الليبراليون إقناعنا بإنهاء المشاورات ( التي استمرت أربعة اسابيع ) لكننا رفضنا فقد كان التوصل إلي اتفاق قريب المنال »‬ واضافت النائبة عن حزب الخضر :» »‬إن الفشل ضربة قاسمة للنظام الحزبي في البلاد » . 


 وكان حزب الخضر قد تراجع عن المطالبة بمنع الفحم والنفط بعد عامين وإن أعلن أنها قضية ستظل علي جدول أعماله السياسية .


 وفي حالة فشل الرئيس الألماني في حل الأزمة فإن البلاد ستكون أمام خيارين كلاهما مر : 
 الخيار الأول : الدعوة إلي انتخابات جديدة في إبريل القادم وهوما تتجنبه الأحزاب التقليدية خشية اتجاه مزيد من الناخبين نحوالتصويت إلي الحزب اليميني الصاعد والذي حقق المرتبة الثالثة في الانتخابات الأخيرة . 


 والخيار الثاني أن تشكل ميركل حكومة أقلية وهوما يعني أن تعمل ميركل وسط عواصف وأنواء تحاصرها من كل الاتجاهات كما أنه أمر مرفوض شعبيا وأفضل منه الدعوة إلي إنتخابات جديدة . 


 ولومرت هذه الأزمة بسلام فإنها ستكون بمثابة الفرصة الأخيرة لوجود ميركل في الحكم كما أنها لولم تمر بسلام فإن الاتجاهات الفاشية ستفرض نفسها علي البلاد وهوما يخافه العقلاء ويضعون أيديهم علي قلوبهم من صعودها إلي حد حرق بيوت للاجئين والتعرض لهم ومطاردتهم رغم أن ألمانيا قامت علي المهاجرين وينتمي ربع سكانها إلي اصول غير المانية . 


ويبدو أن الحل المناسب هوعودة الحزب الاشتراكي للتحالف مع حزب ميركل كما كان من قبل وهوما تحمس اليه الرئيس الألماني الذي ينتمي الي الحزب الاشتراكي 


ولكن ستكون هناك شروط جديدة للحزب الاشتراكي لا مفر من ان تقبل بها ميركل.

 

 
 
 

احمد جلال

محمد البهنساوي

 
 

 
 
 

ترشيحاتنا