نقطة فوق حرف ساخن

عمرو الخياط يكتب: أحمد شفيق.. الترشح من أجل الانسحاب

الكاتب الصحفي عمرو الخياط رئيس تحرير جريدة أخبار اليوم
الكاتب الصحفي عمرو الخياط رئيس تحرير جريدة أخبار اليوم
لم تكن مفاجأة أن يعلن شفيق ترشحه للانتخابات الرئاسية، لكن ما يثير التساؤل هو كيفية حسمه لأمره بالترشح لرئاسة دولة ظل علي مدار أربع سنوات عاجزاً عن التعامل مع مؤسساتها أو رافضاً الخضوع لقوانينها لتسوية أوضاعه التي مازالت معلقة حتي الآن؟!
أما وقد أعلن ترشحه فدعونا نستعرض ملابسات ما يحيط بهذا القرار شكلا وموضوعاً والتي يمكن إجمالها فيما يلي من ملاحظات:
• شفيق أعلن قرار الترشح من خلال وكالة أنباء رويترز كما لو كان يريد أن يوجه رسالة لدولته أنه مدعوم غربياً.
• شفيق عاود تأكيد ترشحه في نفس اليوم من خلال فيديو مسجل انفردت به قناة الجزيرة وهو يعلم تماماً الموقف المصري الرسمي والشعبي من هذه القناة التي كانت ومازالت تُمارس دوراً معادياً للدولة المصرية.
• أطلق شفيق قرار ترشحه مرتكزا علي قاعدة قطرية وخلال حديثه تعمد التجريح في دولة الإمارات واتهامها باحتجازه قسريا وتقييد تحركه ليوجه سهامه في وقت واحد لدولتين من دول المقاطعة مع قطر (مصر والإمارات).
• خلال حديثه أعرب عن رفضه لما وصفه بتدخل الإمارات في شئون بلاده في محاولة لزرع بذور عداء وليد بين الشعب المصري والإمارات وهو الأمر الذي لا يصب إلا في مصلحة قطر.
• انفراد الجزيرة بالفيديو يؤكد حتما وجود اتصال بين شفيق والنظام القطري الذي يمارس العداء ضد وطنه في السر والعلن .
• ارتباط قطر بخبر ترشح شفيق يفرز المعطيات التالية (شفيق سيخوض الانتخابات مدعوما بغطاء مالي قطري ضخم - شفيق سيخوض الانتخابات مدعوما من تنظيم الإخوان وتيارات الاٍرهاب- شفيق سيخوض الانتخابات مدعوما بغطاء إعلامي مهول - شفيق قبل بالمصالحة مع الإخوان - شفيق قبل بالعداء الاستباقي مع دول المقاطعة الممثلة في الإمارات والسعودية والبحرين).
• شفيق يعلم أنه يخوض الانتخابات وعمره ٧٦ عاما ولايمكن أن تكون تجربة لانتخابات مقبلة سيكون عمره فيها ٨٠ عاما.
• شفيق يخوض الانتخابات وهو يعلم تماما أن السبب الرئيسي لحصوله علي غالبية الأصوات عام ٢٠١٢ هو رفض منافسه الإخواني محمد مرسي العياط الذي لم يعد موجوداً أساساً.
• شفيق وجه اتهامات مباشرة للامارات وهو يعلم أنها ستنعكس بشكل سلبي مباشر علي مصير إقامته هو وعائلته وأحفاده في أبوظبي حيث الرعاية المالية الشاملة، فهل كان يغامر بكل ذلك دون أي حسابات أم أنه اطمأن لرعاية جديدة أكثر شمولا؟!.
• • •
إذن ما الذي كان يقصده شفيق؟، هل كان يقصد استخدام قيمة منصب رئيس الجمهورية لحسابه الخاص بهدف الضغط علي الدولة المصرية ومساومتها لتسوية موقفه القانوني؟، أم أنه كان يهدف لخوض الانتخابات تحت مظلة حماية دولية؟، فإذا كان الأمر كذلك فإن السؤال الذي يطرح نفسه من هم أطراف هذه الحماية وماهي قيمة فاتورة الحماية؟، ثم علينا ان نتساءل هل شفيق ناكر للجميل الإماراتي لهذه الدرجة أم أنه كان يقصد تفجير الموقف ليجد لنفسه مخرجا لمغادرة الإمارات حتي لا تكون تحركاته واتصالاته مع أطراف دولية وإقليمية مرصودة؟، ثم من سيتحمل فاتورة انتقاله لمقر إقامته الجديد؟، أم أنه متورط ومستخدم في عملية دولية وإقليمية معقدة يديرها أطراف الحماية الدولية المزعومة بهدف تحقيق الآتي:
• استخدام شفيق أداة لقراءة مبكرة للمشهد الانتخابي.
• تحديد طبيعة الكتل التصويتية وتصنيفاتها
• قياس المزاج العام المصري
• دفع الرئيس عبدالفتاح السيسي نحو التحرك المبكر لإطالة المدي الزمني لوضعه تحت وطأة النقد العام
• تقديم تقدير موقف انتخابي شامل للتنظيم الدولي الإخواني لتجهيز كوادره وحسم موقفه
• استخدام شفيق كأداة لجذب كل معارضي السيسي ممن سيلتفون حوله اقتناعا بشخصه أو مكايدة في منافسه عبدالفتاح السيسي ثم يفاجئنا هذا التكتل بإعلان انسحابه من الانتخابات لأن الدولة لم توفر أجواء المنافسة السياسية والإعلامية الشريفة، فيتم احراج الدولة المصرية أمام المجتمع الدولي بعد تفريغ العملية الانتخابية من مضمونها.
• • •
تلك هي الخطورة الكامنة أن يكون شفيق مستخدما بإدراك أو بغير إدراك لتفريغ العملية الانتخابية من مضمونها، ليطرح السؤال نفسه ما المقابل الذي يمكن أن يحصل عليه أحمد شفيق أمام ذلك؟، وهل يمكن أن يكون مستخدما لهذه الدرجة دون إدراك؟، أم أنه مدرك لما يفعله لكنه فقد السيطرة علي أهوائه وشهواته السياسية لدرجة تجعل منه أداة في منظومة إقليمية لتقويض وطنه، وليست المشكلة هنا أنه أعلن اعتزامه الترشح فهذا حق أصيل ودستوري له ولكل مصري، لكن المثير للتعجب هو أسلوب الإعلان عن الترشح برعاية تبدو قطرية تبنتها قناة الجزيرة، تلك هي الخطورة أن يكون شفيق «مرشح محتمل»‬ وفِي نفس الوقت »‬منسحب مؤكد» من أجل إفساد العملية الانتخابية وفقا لخطوات معدة مسبقا وبتوقيتات محددة.
هنا يحتم علينا الواجب الوطني أن نحذر مبكراً من الخطاب النوعي الذي سيستخدمه شفيق للتواصل مع القوات المسلحة والشرطة والأجهزة الأمنية استغلالا لحالة الانضغاط التي يعانيها العاملون بتلك الجهات خلال السنوات السبع الماضية والتي يعتقد شفيق أنه يمكن البناء عليها لدعم موقفه الانتخابي.
• • •
ومن المدهش أن نجد أحمد شفيق يعلن رفضه لما وصفه بتدخل الإمارات في شأن بلده ثم نجده يستخدم وكالة  »‬رويترز»  لإعلان خبر الترشح ومنها إلي »‬الجزيرة» ثم يصرح بأنه متجه إلي باريس التي سيعقبها لندن حيث مقر التنظيم الدولي وربما بعدها يعود إلي القاهرة بعد أن يكون قد حصل علي الضمانة الدولية الكافية.
ولا أدري كيف ستتعامل معه الأطراف الفاعلة الجديدة بعدما ظهر في حالة تلبس بنكران الجميل الإماراتي، إلا إذا كان معتقداً أن لديه إمكانيات تتيح له استخدام الجميع مرحليا، لكن يبقي السؤال معلقا حول تفاصيل الاتفاق الخفي الذي ربما تم مع دوائر قطرية سمحت له باستخدام منبر الجزيرة لإعلان ترشحه، بينما الهدف الاستراتيجي القطري هو ترك السيسي وحيداً في انتخابات مصيرية لدولة بحجم مصر لإظهارها في حالة من انسداد الأفق السياسي طويل الأجل.
• • •
المشهد بأكمله يطرح سؤالاً جوهرياً هل كانت الدولة الإماراتية القوية والعميقة في غفلة عما سيفعله شفيق أم أنها تركته ليقع ضحية لأهوائه وانفعالاته غير المحسوبة؟!
هل شفيق هو من امتلك زمام المبادرة أم أنه قد استدرج لمساحة انكشاف مبكرة حتما ستكون مفيدة للناخب المصري صاحب الكلمة النهائية؟.
فإذا كان شفيق قد استدرج فهو بذلك يكون قد وقع للمرة الثانية في فخ الاستدراج بعد أن سبق استدراجه في كواليس احدي القنوات الفضائية التي أظهرته مستدرجا سهلا ثائراً فاقداً السيطرة علي ثباته الانفعالي.
هنا يكون نجم المشهد هو الناخب المصري الذي قدم له شفيق سيرة ذاتية لمرشح قابل للاستدراج المتكرر بسهولة.
ولن يكون مدهشاً أن يلتف مرشحون مثل خالد علي، ومحمد السادات، حول شفيق ويتنازلون لصالحه عقب غلق باب الترشح، بل ويصفونه بمرشح الضرورة ليس إيماناً به بل من أجل تضخيم الكتلة المحيطة به ومن أجل تضخيم حالة الانسحاب المتفق عليها مسبقا لإفساد العملية الانتخابية بزعم انحياز السلطة التنفيذية والأجهزة الأمنية والجهات السيادية للمرشح عبدالفتاح السيسي.
هنا يجب أن نتصدي بالتحليل للكتل التصويتية التي ستنحاز لشفيق قبل انسحابه، والتي يمكن إجمالها فيما يلي:
• مجموعات من المتعاطفين مع الرئيس الأسبق مبارك ويرون في شفيق امتدادا له.
• بعض رجال الأعمال الذين يدعون تضرر مصالحهم بسبب ما يصفونه بسيطرة الجيش علي الاقتصاد رغم أنه سبق لمبارك أن منحهم فرصاً ومزايا غير مسبوقة، فمارسوا الاحتكار وراكموا الثروات الطائلة ولم يقدموا للمواطن أي مشروعات تنموية ولم يساهموا في بناء قاعدة صناعية أو زراعية.
• ناشطو التواصل الاجتماعي ممن لديهم مشكلة ايديولوجية مع فكرة الدولة ومن عاصري الليمون والنخب المنظرة التي سبق لها أن سلمت الدولة المصرية للتنظيم الدولي الإخواني.
• في الخلفية تنظيم الإخوان الدولي الذي بدأ من الآن في ممارسة الرقابة اللصيقة والمركزة للحالة المصرية بعد أن أطلق شفيق ضربة البداية المتفق عليها.
ومن بين هذه المجموعات من هو مدرك وشريك في المناورة التي تهدف للترشح من أجل »‬الانسحاب الإفسادي» وهذه لن تتضرر، لكن تبقي مجموعات أخري منخدعة فماذا هي فاعلة عندما تجد نفسها متروكة وسط الطريق الانتخابي؟.
قد تكون هذه هي أهم التساؤلات المحيطة بالمرشح للانسحاب الاستراتيجي، ولكن هذا المقال ليس من وحي خيال كاتبه.

 

 
 
 

احمد جلال

محمد البهنساوي

 
 

 
 
 

ترشيحاتنا