مقاتلو التنظيمات المسلحة من جنسيات مختلفة انهزموا في سوريا ويخوضون معركتهم الأخيرة في مصر

عادل حمودة يكتب:الحرب على الإرهاب من الجبهة الشرقية إلى الجبهة الغربية

الكاتب الصحفي عادل حمودة
الكاتب الصحفي عادل حمودة
وزير الخارجية الأمريكي ينفي عن قطر تهمة تمويـل الإرهاب خشيـة فضـح علاقته بها عـندما كان رئيسا لشركة النفط «أكسـون موبيل»‬
الدوحة تهدد واشنطـن بكشـف مخطـط تـفتيت المنطقة الذي وضعه بوش ونفذه أوباما لو أصـر البيت الأبيض عـلي موقفه منها
مصر رفضت طلب كونداليزا رايس بحل القوات المسلحة مقابل زيادة معونات مواجهة الإرهاب
التنظيمات الإرهـابية تمتلك أسلحة لتدمير المدرعات وإسقاط الطائرات مـما يعني أهمية دور القـوات المســلحة في مـواجهـتها
النظام السياسي الإقليمي يشجع علي الإرهاب .. دولة دينية في إيران وتركيا .. وأحزاب دينية شريكة في الأردن وتونس والمغرب .. ونشطة في سوريا والعراق واليمن والسودان
لابد من العودة لخبراء الحرب النفسية لتهيئة المجتمع لتقبل الخسائر وكتابة البيانات الرسمية الدقيقة بعد العمليات الإرهابية


ما إن يترك شهيد بيت عائلته ليسبح في مياه السحب البنفسجية ويقطف الفاكهة من بساتين الله حتى تفتح أمامه كل البيوت في مصر .

في طنطا يقرأون الفاتحة علي روحه في مقام »‬السيد البدوي» .. وفي القاهرة يهدونه أغلي ما في الأزهر من مصاحف .. وفي قنا يلفونه بعباءة فيها شيء من أنفاس الكعبة .. وفي أسوان يكتبون اسمه علي »‬فالوكة» تستقر عشرات السنين فوق سطح النهر الخالد .

ما أجمل الموت بين المصريين .. يقتسمونه معك .. كما يقتسمون الحياة .. وهم لا يعتبرونه فناء وإنما انتقالا إلي حياة أخري .. حيث رحمة السماء تجب رحمة الأرض .. وحيث مساحة الخضرة هناك لا تقارن بمساحتها هنا.

ولا شك أن الشباب أشجع منا وأكثر قدرة علي فهم طبيعة الموت .. إنهم يستقبلونه بحدسهم قبل أن يتلقونه رصاصا في صدورهم .. ويبدو فيما تركوه من خطابات أنهم يخططون للرحلة بسلوكهم وكلامهم ولكنهم يحتفظون بسرها في داخلهم .. وكأنهم يخافون أن يحرجونا إذا ما أخبرونا عن نيتهم في الرحيل .

لكن .. في ظل الحرب التي نخوضها ضد الإرهاب هل نبكي الشهداء من مقاتلينا علنا في شاشات الفضائيات فيزهو العدو ويشمت أم نحبس الدمع في القلب حتي لا تنخفض الروح المعنوية لباقي المقاتلين كما كان يحدث من قبل في حروب القوات المسلحة ؟.

لا أحد يسارع متطوعا بالإجابة .. وإنما .. علينا استشارة خبراء الحرب النفسية لنعرف ما هو الأفضل والأضمن .. حفاظا علي صلابة الجبهة الداخلية التي يعد إضعافها هدفا يسعي إليه خصوم الحياة وعبدة الظلام لتحقيق ما هو أسوأ .. تفتيت الوطن وتقسيمه وتفجيره بنعرات طائفية ومذهبية وعرقية .. كما حدث في دول عربية شقيقة حولنا .

ويدعم حاجتنا إلي خبراء الحرب النفسية أن العدو ملم بخبراتها .. انظر إلي الفيديوهات التي تبثها التنظيمات الإرهابية بعد كل عملية تنفذها .. ستجد مصمم أزياء محترفا يختار اللون البرتقالي للضحايا واللون الأسود للقتلة .. ويختار المخرج شاطئ بحر لتنفيذ الإعدام .. ليختلط الدم الأحمر بلون المياه الأزرق .. وتظل الصورة عالقة في أذهان كل من يشاهدها فيخاف .. وينكمش .. ويكف عن المقاومة .
ونفذ تنظيم داعش نفس وسائل الحرب النفسية والدعاية السوداء التي سبق أن استخدمها المغول .. ومنها شائعة أن اعدادهم خرافية .. وأن طباعهم شرسة .. قاسية .. لتخاف الشعوب منهم .. وتنخفض معنوياتها .. وتسلم لهم دون مقاومة .  

وفي حادث الواحات الأخير .. تعمد المجرمون عند إطلاق النار أن يفرقوا بين الضابط والجندي .. الضابط يقتلونه في صدره أو رأسه .. والجندي يكتفون بإصابته في ساقه .. في محاولة يجب التوقف عندها وفحصها وعلاجها وتلافي آثارها حتي لا تفقد القوة المهاجمة وحدتها .. أو نجد تمردا من بعض أفرادها .
ومن حسن الحظ أن في المكتبة العربية مؤلفات علمية جيدة في الحرب النفسية .. أقدمهم كتاب مدير المخابرات المؤسس للجهاز صلاح نصر : »‬الحرب النفسية ــ حرب الكلمة والمعتقد» ويحظي كتاب الدكتورة حميدة سميسم عميدة كلية الإعلام بجامعة بغداد بكثير من التقدير العلمي ويمكن تحميله من شبكة الإنترنت والمؤكد لو بحثنا سنجد العديد من الخبراء الذين ينصحوننا ويرشدوننا في حربنا اليومية ضد الإرهاب ولكن علينا أن نتذكرهم ونستعين بهم بعد أن نكف عن حوارات الثرثرة المملة علي الفضائيات والتي قد تضر أكثر مما تنفع .

ولا جدال أن كل كلمة وكل لقطة وكل همسة يجب أن تكون محسوبة في الفترة القادمة التي نتوقع أن تزيد فيها عمليات التنظيمات الإرهابية بعد أن فقدت معظم أرضها في العراق وسوريا .

لقد دفعت الولايات المتحدة بقوات إضافية لضمان عدم عودة داعش من جديد إلي العراق ولكنها لم تهتم بمصير الدول التي ستفر إليها “ الذئاب الجريحة والجائعة “ للتنظيم بحثا عن مأوي جديد وضحايا يمكن افتراسهم وأرض يفرضون عليها سيطرتهم .

والمؤكد .. أن ليبيا ستكون ملجأهم الوحيد .. مما يقربهم من مصر .. ويدفعهم إلي التسلل عبر الدروب المهجورة إلي ارضنا بأسلحتهم الثقيلة قبل الخفيفة .. وهو ما ينقل عملياتهم الإرهابية إلينا .. وآخرها عملية الواحات .

كل التقديرات تشير إلي أن الجبهة الغربية ستنشط بعد أن انكمشت الجبهة الشرقية .
والحقيقة أن المخابرات المصرية نجحت في إجبار فتح وحماس علي المصالحة الفلسطينية بعد عشر سنوات من الخصام والانقسام والحرب الباردة رغم أن بعض قيادات الطرفين لم يرغبوا فيها فقد كانت استفادتهم عالية ومباشرة من الوضع الذي كان قائما .

نفذت حماس كثيرا من إجراءات حماية حدود غزة مع سيناء بتسوية أرض بطولها وعرض سبعين مترا ومد أسلاك شائكة وبناء أبراج مراقبة ووضع كاميرات كاشفة واعتقال الخطرين والقيام بدوريات مستمرة لمنع الانتحاريين من دخول أراضينا .

وفي الوقت نفسه سمحت مصر بدخول مواد البناء وساهمت في زيادة سعة محطات الكهرباء حتي لا يؤدي ضيق العيش في غزة إلي خلق أجيال جديدة من المتطرفين لا يجدون أمامهم من فرص الحياة سوي بيع أنفسهم للشيطان .

لقد كشفت اللعبة القطرية في غزة .. تمول بمبالغ مغرية منظمات فلسطينية صغيرة لإطلاق صاروخ او اثنين علي إسرائيل لا يؤثران فيها وإن يستنفران قوتها فتعاقب البشر بالموت بالرصاص أو بالحصار .. ويظل الوضع علي ما هو عليه .. فقرا وألما وفسادا .

واشترطت مصر قبل المصالحة والمساندة أن تخرج قطر وإيران من اللعبة .. وربما تركيا أيضا .. وبصمت الفصائل الفلسطينية المختلفة بأن مصر هي الدولة الوحيدة التي ضحت كثيرا في سبيل قضيتهم .. والأهم أنها لم تلوث يدها بدماء الفلسطينيين كما فعلت دول عربية أخري فيما قبل .

لكن .. قطر التي تجمد تأثيرها في غزة لن تتردد في مضاعفة نفوذها في ليبيا .. لتزيد من الهجمات الإرهابية علي مصر عبر الجبهة الغربية.

ولو كانت الولايات المتحدة حاسمة في مواجهة الإرهاب علي أراضي العراق وسوريا فإن موقفها لا يزال مائعا في ليبيا .. بجانب أن سياستها تجاه قطر متناقضة .. البيت الأبيض يصم الدوحة بالإرهاب ويتهمها بتمويله .. والخارجية الأمريكية ممثلة في وزيرها ريكس تيلرسون ينفي ذلك .

والحقيقة أن تيلرسون وثيق الصلة بقطر فقبل أن يتولي منصبه السياسي كان رئيسا لمجلس إدارة شركة النفط الشهيرة “ أكسون موبيل “ كما أنه كان عضوا في مجلس الأعمال القطري الأمريكي .. مما يعني أنه كسب من قطر الكثير ومن الصعب عليه أن يدينها .. وأمام الحرج الذي وضع رئيسه فيه قرر الاستقالة في نهاية العام الجاري .

والمؤكد أن قطر قدمت الكثير من فرص الكسب للعديد من المسئولين الأمريكيين المؤثرين في سياسة بلادهم .. والمؤكد أيضا ان قطر كانت طرفا في المؤامرة الأمريكية علي العالم العربي التي وضعت في رئاسة جورج بوش ونفذت في رئاسة باراك أوباما .. وتهدد بكشفها لو فضحت دورها في التنفيذ .

وحسب معلوماتي فإن الإدارة المصرية تملك الكثير من المعلومات عن قدوم المقاتلين من سوريا إلي ليبيا بمخططاتهم وعتادهم وشراستهم للتسلل إلينا وتنفيذ عملياتهم .

وهؤلاء المقاتلون من جنسيات مختلفة .. خبراتهم متنوعة .. اكتسبوها من سنوات الحرب الأهلية في سوريا .. لتنفيذ مخطط الفوضي في مصر .  

وأكبر دليل علي تلك المعلومات تحرك قوة الهجوم في عملية الواحات لمنع تنفيذ تفجيرات في أقرب مدن قريبة .. فتلك القوة حمت كثيرا من الأبرياء كانوا سيصبحون ضحايا .. وإن لم يمنع ذلك وجود تقصير في التنفيذ والتدقيق وهو ما اعترفت به وزارة الداخلية ــ بطريقة غير مباشرة ــ عندما أطاحت بقيادات عليا فيها علي رأسها مساعد الوزير لقطاع الأمن الوطني اللواء محمود شعراوي ومساعد الوزير لقطاع أمن الجيزة اللواء هشام العراقي ومدير العمليات الخاصة في قطاع الأمن المركزي اللواء مجدي أبو الخير .

لكن .. الإطاحة لم تأت انفعالا سريعا بالحادث وإنما بعد تحقيق دقيق طالبت به السلطة العليا في البلاد لمعرفة الحقيقة .

وقد احتاجت معرفة الحقيقة أسبوعا كاملا من سماع أقوال المقاتلين ومراجعة أوامر العملية وشرح ما حدث وهو ما يبرر للداخلية عدم تسرعها في إصدار البيانات لتكون مطمئنة لما يخرج عنها ودون أن يستفيد منها الخصم والعدو.

وبالطبيعة النشطة والحيوية للصحفيين الذين يسابقون الزمن في نشر الأخبار لم يستريحوا لتأخر بيانات الداخلية .

كما أنهم يخشون ــ وعندهم حق ــ أن يتحول الرأي العام إلي مصادر أخبار مغرضة تسد الفراغ وهو ما يحتاج إلي تفهم من الطرفين للوصول إلي حل وسط .. وهنا .. لابد من اللجوء إلي خبراء في إعلام بيانات الحرب للصياغة الدقيقة وغير المؤذية .

لكن .. في الوقت نفسه علينا أن نتفهم ونستوعب ونؤمن بأن الدولة لا تدار بالعواطف وإنما بالتقدير الدقيق للموقف وبتوثيق المعلومات قبل إصدار البيانات .

ولابد أن نستوعب المناخ السياسي المسيطر علي المنطقة ويؤثر فيما يحدث علي أرضنا .. فإيران دولة دينية .. وتركيا لحقت بها في هذا التصنيف .. والدول الدينية تتحالف معا لتدمير الدول المدنية ولو اختلفت الدول الدينية مذهبيا .. فإيران الشيعية مولت حماس السنية .. وعند فتح السجون بعد ثورة يناير وجدنا حماس والإخوان وحزب الله ينفذون العملية معا .. كما أن أول تفجير لخط الغاز في سيناء جري تنفيذه بخبير إيراني ( شيعي ) سهلت دخوله إلي مصر تنظيمات سنية سودانية .
لكن .. هذا التحالف بين إيران وتركيا لا يخفي العداء الكامن بينهما .. لكنه .. عداء مؤجل إلي ما بعد تدمير الدول المدنية في المنطقة .. وإن يحدد من الآن أطماع كل منهما في الاستيلاء علي مساحات من الدول المفككة قبل سقوطها .

وفي الوقت نفسه نجد سيطرة سياسية لا يستهان بها لأحزاب دينية في دول عربية مختلفة مثل الأردن وتونس والمغرب .

إن هذه الصورة تلقي بظلالها علي الحرب علي مصر فكثير من المقاتلين ينتمون لتلك الدول ويصفون أنفسهم بالمجاهدين من أجل الخلافة مما يزيد من شدة الضغوط علينا فالبيئة الإقليمية ليست سوية .
ويضاعف من شراسة الحرب تكرار الفشل في مصر .. فقد أطاحت بحكم الإخوان في مشهد غير مسبوق .. خرج فيه ثلاثون مليون مواطن .. فرضوا إرادتهم .. ونفذوا ما في رءوسهم .. وخرجوا مرة أخري عندما طلب منهم تفويض لمواجهة الإرهاب .. كما أن محاولات تحريضهم علي الحكم القائم بسبب المعاناة الاقتصادية الصعبة ــ بضرب السياحة وتعويم العملة وزيادة التضخم ــ فشلت أيضا .

أكثر من ذلك حققت مصر نجاحات إقليمية في فلسطين وسوريا وقوت علاقتها بدول أوربية مما جعل أعداءها يخشون أن تنجو منهم فقرروا زيادة العمليات العسكرية ضدها وفتح الجبهة الغربية للتسلل منها .

لكن .. التخطيط الاستراتيجي المسبق توقع ذلك بطلعات طيران يوميا لمراقبة الحدود وتدمير كل قوافل سيارات الدفع الرباعي التي تحاول اختراق الحدود مع ليبيا .. كما أن شراء قطع بحرية متطورة يضيف للمراقبة من الجو مراقبة من البحر .. فليس مستبعدا استخدام زوارق مفخخة في المياه كما تستخدم السيارات المفخخة علي الأرض .

ومنذ بدأت المؤامرة علي المنطقة فيما سمي بمشروع الشرق الأوسط الجديد الذي تبنته إدارة جورج بوش وتحمست له إسرائيل ودعمته قطر والولايات المتحدة تطالب مصر بتفكيك جيشها بدعوي أنه ليس هناك بعد معاهدة كامب ديفيد عدو  يواجه بالمدرعات والطائرات .. واقترحت وزير الخارجية وقتها كونداليزا رايس علي المشير حسين طنطاوي وكان وزيرا للدفاع أن تتحول القوات المسلحة إلي فرق لمكافحة الإرهاب .. بل إن المعونات العسكرية في عهد أوباما تحولت إلي معدات تناسب تلك المهمة .

لكن مصر رفضت ذلك رغم إغراء زيادة المعونة .. وثبت أنها كانت صائبة الرؤية .. فالتنظيمات الإرهابية تستخدم أسلحة ثقيلة قادرة علي تدمير المدرعات وإسقاط الطائرات فيما يشبه الحرب النظامية .. وهو ما فرض علي مصر ما هو أكثر وأكبر .. دعم قواتها المسلحة بما يحمي أمنها القومي .

إن وجود طائرات بعيدة المدي ووجود حاملات طائرات في جنوب البحر الأحمر ربما يردع كل من يحاول العبث بمياه النيل أو يفكر في اقتطاع جزء من أرض مصر .

والحقيقة أن المؤسسة العسكرية ــ بحكم انضباطها ــ نجحت في تجاوز الضعف الذي تعرضت له بعد ثورة يناير واستردت قوتها وثقتها في نفسها وضاعفت منهما .. وهو ما لم يحدث في مؤسسات أخري في الدولة .

لكن الحرب القائمة والقادمة لن ننتصر فيها دون خسائر موجعة ومبكية وهنا علينا تجهيز المجتمع ليكون قادرا علي التحمل وبحيث لا يضعف ولا ييأس ولن يكون ذلك إلا بإعلام محترف يمتلك خبرات الحرب النفسية ويعرف كيف يتعامل معها ويجنب الشعب آثارها وهو أمر ليس سهلا فأصعب مهمة مخاطبة الرأي العام وتشكيل وعيه .

علي أن مصر بكل ما فيها من كفاءات وقدرات ــ متحركة ومعطلة ــ لن تترك دماء أبنائها تذهب هدرا .. هكذا .. علمنا التاريخ الذي نسيناه .. فكل الجنسيات جاءت إلينا غازية ومحتلة .. وكلها ذهبت إلي الجحيم مهزومة .. مندحرة .. وبقيت مصر .