73 عامًا ظلت مصر خلالها تحت قبضة الاستعمار البريطاني، سقط خلالها الآلاف من الشهداء أثناء سيرهم في طريق طويل من النضال والتضحيات، من أجل وطنهم وتحريره، وأتى على مصر مثل ما أتى الجراد على الحشائش، ليتمتع بخيرها ومواردها وثرواتها.
انتفض الشعب المصري كثيرًا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، من أجل تحرير أرضه من الاحتلال البريطاني، مثل انتفاضة سعد زغلول في ثورة 1919، وإضراب جميع الطوائف بما فيهم ضباط الشرطة الذين اعتصموا بنواديهم في أكتوبر 1947 وأبريل 1948، والكفاح المسلح ضد القوات البريطانية في قناة السويس فور رفع الأحكام العرفية بعد انتهاء حرب فلسطين، واستمرار هذا الكفاح بعد قيام ثورة يوليو 1952 إلى أن تحقق الجلاء يوم 18 يونيو 1956.
وقع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، اتفاقية الجلاء مع الحكومة البريطانية في مثل هذا اليوم 19 أكتوبر 1954، بعد نجاح ثورة 23 يوليو بعامين، كان موعد خروج أخر جندي من قوات الاحتلال البريطاني من مصر.
أثرت اتفاقية الجلاء سلبًا على أفراد الجيش البريطاني العاملين في القواعد العسكرية البريطانية في مصر، حيث تم الاستغناء عنهم واستبدالهم بجنود مصريين كانت لهم الأولوية في الوظائف العسكرية، ومن العجيب أن السخط على المعاهدة كان يسود بين معظم أفراد الجاليات الأجنبية الذين كانوا يعملون في المعسكرات والقواعد الإنجليزية قبل جلاء قواتهم من مصر في يونيو 1956 وفقدوا وظائفهم وأخذوا يبحثون عن عمل للاسترزاق منه لتغطية تكاليف حياتهم.
ورغم أنهم جنود احتلال دمروا شعبا بأكمله لمدة 73 عاماً، إلا أن راعت السلطات المصرية عدم قطع رزق الأجانب وعرضت على الكثير منهم وظائف مساعدة على مستوى مادي عادل، إلا أن معظم هؤلاء الأجانب رفضوا العروض وفضلوا عدم العمل تحت إشراف أو إدارة مصرية بسبب إحساسهم بالتعالي على الكفاءات المصرية رغم أنهم كانوا ضيوفا في مصر.