ياسر رزق يكتب من نيويورك : تفاصيل قمة «الطابق الخامس» بين السيسى وترامب

الكاتب الصحفي ياسر رزق
الكاتب الصحفي ياسر رزق

ياسر رزق يكتب من نيويورك : 
تفاصيل قمة »الطابق الخامس« بين السيسى وترامب

- ماذا دار فى لقاء الـ65 دقيقة عن العلاقات والإرهاب وقضية السلام ؟

فى مقر إقامة الرئيس السيسى بفندق «بالاس» بنيويورك، خلال مشاركته فى اجتماعات الدورة (72) للجمعية العامة للأمم المتحدة، جرت وقائع القمة المصرية الأمريكية الثانية، فى تقليد غير مسبوق مع باقى القادة الذين التقاهم ترامب..
وهذه اشارة تقدير لمصر وقائدها، لاحظها كل المراقبين، وأبرزتها وسائل الإعلام.
على مدى 65 دقيقة كاملة، استمرت أعمال قمة السيسى وترامب، وكان المقرر لها 45 دقيقة.
وهذا دليل على أن النقاش اتسع، والحوار طال، فى قضايا ملحة، برغم أزمة كبرى كانت تتطلب من الرئيس ترامب اختصار زمن المباحثات، هى الإعصار المدمر الذى ضرب «بورتوريكو» عصر أمس الأول، وهى جزء من الأرض الأمريكية.
خلافاً للقاءاته مع باقى قادة دول العالم المشاركين فى أعمال القمة.. حرص الرئيس ترامب على أن يصطحب معه إلى اللقاء أركان إدارته البارزين، وفى مقدمتهم مايك بنس نائب الرئيس، وريكس تيلرسون وزير الخارجية، وهربرت ماكماستر مستشار الرئيس للأمن القومى، ومساعدته دينا باول.
وهذه علامة تأكيد من ترامب وإدارته على الأهمية التى يعلقها على مباحثات القمة، والرغبة من أن يستمع كبار معاونيه هم أيضاً وجها لوجه إلى آراء ورؤى الرئيس السيسى، دون وسيط من إعلام أو تقارير.
كان الدفء والمودة هما عنوان المباحثات، ومعهما صراحة تميز الرئيسين، وعزم متبادل على توضيح كل الأمور، وإزالة أى التباسات فى الفهم وتقدير المواقف.
وكان الحرص المتبادل على تعزيز العلاقات الاستراتيجية، والتعاون الوثيق المشترك تجاه القضايا الإقليمية المعقدة والموضوعات الدولية الحالة، هما مدخل البحث وخلاصة النتائج
قمة الأربعاء، بين السيسى وترامب، ستظهر نتائجها بالغة الأهمية، خلال الأيام والأسابيع القادمة، على صعيد القضايا الثلاث الرئيسية التى ناقشها الرئيسان بالتفصيل، وهى حسب ترتيب مجريات النقاش، العلاقات المصرية الأمريكية، التعاون المشترك فى مكافحة الإرهاب، إحياء عملية السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل.
• • •
فى الطابق الخامس من فندق «بالاس»، بدأت أعمال القمة المصرية الأمريكية فى تمام الساعة الرابعة والنصف (العاشرة والنصف ليل الأربعاء بتوقيت القاهرة).
شارك فى المباحثات من الجانب المصرى، وزير الخارجية سامح شكرى واللواء خالد فوزى رئيس المخابرات العامة، واللواء عباس كامل مدير مكتب رئيس الجمهورية، وغادة والى وزيرة التضامن ود.سحر نصر وزيرة الاستثمار والتعاون الدولى والسفير علاء يوسف المتحدث الرسمى باسم رئاسة الجمهورية.
لم يقتصر النقاش خلال مباحثات القمة، على الحوار بين الرئيسين.
أعطى ترامب الكلمة لعدد من معاونيه أبرزهم نائبه مايك بنس الذى كان حديثه واضحاً، وبدت منه معرفة واسعة بقضايا العلاقات المصرية الأمريكية، وظهر أيضاً اعتماد الرئيس ترامب عليه واحترامه لآرائه.
كما أعطى الرئيس السيسى، الكلمة فى بعض المواضع لعدد من معاونيه لشرح تفاصيل، وعرض وقائع.

• • <
فى بداية المباحثات.. قال ترامب للرئيس: «إنه شرف عظيم أن ألتقى مجدداً بالرئيس المصري السيسى. لقد عملنا معاً طويلاً وبكل الجدية، وحققنا كثيراً من التقدم فى عديد من الجبهات».
وأضاف: «إننى أقدر كل ما تفعله يا سيادة الرئيس».
ثم ابتسم وقال: «وأعتقد إنك أيضاً تقدر كل ما نفعله»..
وضحك الحاضرون من أعضاء الوفدين، ومن رجال الإعلام الذين كانوا يحضرون الدقائق الأولى من اللقاء، فى إدراك منهم لأنه ليس كل ما صدر عن إدارة ترامب فى الآونة الأخيرة، كان موضع ترحيب فى مصر!
ثم استأنف ترامب كلامه قائلاً بجدية: «إن العلاقات المصرية الأمريكية جيدة للغاية، وأتطلع لأن تستمر كذلك اليوم وغداً».
ورد عليه الرئيس السيسى قائلاً: «إننى أشكرك على هذا اللقاء الذى يتم بيننا مجدداً، وأشكرك على كل الدعم الذى تقدمه لمصر».
ثم تطرق الرئيسان إلى قضايا المباحثات، بدءاً بالعلاقات الثنائية، وجرت مناقشتها بكل أبعادها.
وشدد ترامب على أهمية تعزيز توافق الرؤى إزاء سبل دفع العلاقات بين مصر والولايات المتحدة، بهدف تحقيق المصالح المشتركة للبلدين والشعبين.
ومن جانبه.. أكد الرئيس السيسى على الأهمية التى توليها مصر لعلاقاتها الإستراتيجية بالولايات المتحدة، وشدد على ضرورة قيام الجانبين بالعمل الدءوب والمستمر للحفاظ على هذه العلاقات وتعزيزها.
< < <
كانت هناك ثلاث سحب، تمر بسماء العلاقات قبل بدء المباحثات، بعضها له أساس، وبعضها مصطنع.
منها ما يتعلق بالقرارات الأخيرة بشأن وقف 95?7 مليون دولار وتعليق 195 مليون دولار أخرى من المساعدات المخصصة لمصر لعام 2016، وقرار اللجنة الفرعية للاعتمادات بمجلس الشيوخ باقتطاع 300 مليون دولار من المساعدات العسكرية لعام 2018.
كانت الذريعة هي ملف مصر فى مجال حقوق الإنسان، ومزاعم تضييقها على الجمعيات الأهلية.
بطبيعة الحال.. تم التطرق إلى هذا الموضوع، ويتوقع بعض المراقبين خطوات فعالة خلال الفترة المقبلة فى هذا الشأن.
كانت هناك أيضاً إدعاءات إعلامية أمريكية، بوجود تعاون عسكري وتجارى واسع بين مصر وكوريا الشمالية.
وجاءت إثارة هذه المزاعم، فى مناخ توتر متصاعد بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية، دفعت الرئيس ترامب إلى الإعلان فى كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى التهديد بتدمير كوريا الشمالية تدميراً كاملاً، إذا ما تعرضت هى أو حلفاؤها لأى هجمات.
الموقف المصرى واضح فى هذا الموضوع.. فليست لدينا علاقات عسكرية الآن مع كوريا الشمالية، ولا يوجد أى تعاون تجارى، والدولة المصرية ليس لها أى استثمار ولو بسنت واحد فى كوريا الشمالية.
كان هناك أيضا عدم ارتياح لدى الرأى العام المصرى، للمواقف الأمريكية تجاه بعض الدول الداعمة للإرهاب، وكان هناك توقع لدى الرأى العام باتخاذ إجراءات أمريكية حاسمة إزاء تلك الدول وبالأخص قطر.
وجرى خلال المباحثات نقاش واسع، وعبر الرئيس السيسى عن تطلع مصر لمزيد من التنسيق والتشاور بشأن قضية مكافحة الإرهاب، بما يمثله من خطر كبير على استقرار المنطقة والعالم. وأكد الرئيس على أهمية مواصلة التصدي بحزم للإرهاب والعمل على إيقاف تمويله ومده بالسلاح والمقاتلين وتوفير ملاذات آمنة له.
< < <
قضية السلام استحوذت على جانب كبير من النقاش والبحث خلال القمة المصرية الأمريكية.
الأسبوع الأخير تحديدا شهد خطوات كبرى غير متوقعة على صعيد عملية السلام، أهمها النجاح الفائق الذى حققته المخابرات العامة المصرية، فى التوصل إلى إتفاق مصالحة بين حركتى فتح وحماس، يشمل حل اللجنة الإدارية التى أنشأتها حماس بغزة، وعودة حكومة الوفاق الوطنى إلى القطاع لمباشرة مهامها.
وطبقاً لما أعلنه الرئيس الفلسطينى محمود عباس فإن الحكومة الفلسطينية ستعود إلى غزة نهاية الأسبوع المقبل.
هذا الإنجاز المصرى، أزال عقبة كبرى أمام استئناف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، فهناك حكومة واحدة، وممثل فلسطينى وحيد، للتفاوض معه، ولم تعد هناك حجة لأحد بأنه لا يوجد شريك فلسطينى للجلوس معه على مائدة المفاوضات.
< < <
الرئيس ترامب، وجه التحية للرئيس السيسى على دوره فى تحقيق المصالحة الوطنية كخطوة مهمة لاستئناف مباحثات السلام، وأشاد بدور مصر فى تحقيق السلام والاستقرار بالمنطقة.
وكان فى خلفية مباحثات القمة أيضاً، النداء المرتجل الذى وجهه الرئيس السيسى للمرة الثانية من منصة الأمم المتحدة، خلال كلمته يوم الثلاثاء الماضي أمام اجتماعات الجمعية العامة، وخاطب فيه الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي بعدم إضاعة فرصة السلام، وأخذ العبرة من التجربة المصرية الإسرائيلية فى السلام، ودعا أيضاً الأمم المحبة للسلام إلى مساندة هذه الخطوة الرائعة، ووجه نداء إلى الرئيس الأمريكى باغتنام فرصة كتابة صفحة جديدة فى تاريخ الإنسانية من أجل تحقيق السلام فى المنطقة.
كان الخطاب الشامل الذى ألقاه الرئيس السيسى، هو الأكثر أهمية من بين الكلمات الأربع التى ألقاها منذ عام 2014 أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وكان المشهد رائعاً فى أعقاب كلمة الرئيس عندما التف من حوله خارج القاعة أعضاء الوفود العربية وكبار الإعلاميين العرب والشخصيات العربية العاملة فى مناصب كبرى بالأمم المتحدة وأجهزتها، موجهين له التهنئة، ويطلبون التقاط الصور معه.
< < <
نداء السيسى من أجل السلام، فى أعقاب نجاح الجهود المصرية فى التوصل لاتفاق المصالحة الفلسطينية، أثار مناخاً متفائلاً طوال يوم الثلاثاء الذى التقى فيه ترامب فى الصباح مع العاهل الأردنى الملك عبدالله والرئيس الفلسطينى محمود عباس.
الرئيس ترامب تحدث بعد لقائه مع أبومازن قائلاً: أن لدينا فرصة جيدة وربما تكون الأفضل على الإطلاق لتحقيق السلام.
وأضاف: ان السلام بين إسرائيل والفلسطينيين هو الصفقة الأصعب، لكن سوف أكرس جهدى بكل قلبى وروحى حتى نصوغ صفقة سلام الشرق الأوسط.
ثم أضاف: من يدرى؟.. إن هناك أشياء غريبة تحدث فى هذا العالم.
أما الرئيس محمود عباس، فقد بدا أنه يجنح إلى التفاؤل، بعد طول إحباط وتشاؤم، وقال إن جهود الرئيس ترامب تعطينى الثقة فى أن المنطقة على وشك تحقيق سلام، ولقد التقت حكومتي منذ تولى الرئيس ترامب منصبه مع أكثر من 20 مبعوثاً ودبلوماسياً أمريكياً، وهو ما يشير إلى قدر الجدية التى يوليها الرئيس الأمريكى تجاه عملية السلام.
< < <
فى ختام مباحثات القمة بين السيسى وترامب، اتفق الرئيسان على استمرار التنسيق والتشاور تجاه كل القضايا التى طرحت، وبالأخص قضية السلام.
وفى نهاية اللقاء قال ترامب للرئيس: اننى معجب بشخصيتك وقدراتك وقوة عرضك للمواقف المصرية ورؤيتك لمختلف القضايا.
هناك تفاؤل عريض إزاء ما يمكن أن تحمله الأسابيع المقبلة من خطوات لإعادة إطلاق عملية السلام، بالاستفادة من الزخم الذى حققه اتفاق المصالحة الفلسطينية بجهد ورعاية مصرية، واستلام حكومة الوفاق الوطنى مسئولياتها فى قطاع غزة نهاية الأسبوع المقبل.
أهم ما أسفرت عنه القمة المصرية الأمريكية، أن هناك عزماً على تعزيز العلاقات الثنائية والتعاون بين البلدين، ولعلنا نلمس قريباً أفعالاً تطابق الأقوال.