نينجشيا الصينية.. حلقة الوصل لطريق الحرير القديم

مقاطعة نينجشيا الصينية لقومية "هوى"
مقاطعة نينجشيا الصينية لقومية "هوى"
عندما تنظر إلى خريطة الصين ستجدها تحتل مساحة صغيرة مقارنة بباقى المقاطعات الصينية الأخرى والمساحة الإجمالية الكبيرة لهذا الدولة التى يعتبرها قارة الصين العظيمة.. أنها مقاطعة نينجشيا ذاتية الحكم لقومية هوى المسلمة أصغر المناطق الصينية مساحة والتى شهدت عاصمتها مدينة ينشوان الأسبوع الماضى فعاليات معرض الصين والدول العربية2017 وكانت مصر ضيف شرف المعرض هذا العام، حيث تقع شمال غرب الصين بالقرب من السهول الصحراوية، ولكن ما يميزها هو تدفق النهر الأصفر عبرها ، ويمتد على طول حدودها الشمالية الشرقية سور الصين العظيم.


تعد نينجشيا موطناً لقومية هوى المسلمة إحدى القوميات 56 المعترف بها رسميا هنا ،تبلغ مساحتها 66,400كم2 وتتضمن 5 محافظات  تشمل 22 مدينة وحى ، يبلغ سكانها 6,749 مليون نسمة حتى نهاية 2016 وفق الإحصائيات الرسمية ،ويقدر نسبة قومية هوى 36,18% من اجمالى السكان فيها . يعد مواطنى نينجشيا من ذوي الأصول العربية والفارسية ،فأجدادهم قدموا إلى الصين قبل 800 عاما تقريبا  بهدف التجارة  والدعوة إلى الاسلام عبر طريق الحرير قبل مئات السنين لذا تعد حلقة وصل لهذا الطريق القديم ، كما جاء بعضهم مع جيش جنكيز خان العائد مهزوما من غزواته خاصة بعد تصدى الجيش المصرى لهم وهزيمتهم فى موقعة جين جالوت التى كانت بمثابة بداية النهاية لامبراطورية المغول ، واستوطنوا في منطقة نينغشيا شمال غربي الصين السهل الصحراوي القاحل الذي يعبرها النهر يانجتسى أو  النهر الأصفر  أكبر انهار الصين .
رؤية على أرض الواقع
كانت زيارتى للمقاطعة من ضمن برنامج  التبادل والتعاون الاعلامى والثقافى بين الصين وافريقيا  الذى تنظمة وزارة الخارجية الصينيين لـ27 صحفيا افريقياً، حيث تريد الحكومة الصينية  أن تنقل بواسطتها كصحفيين ماتقوم به من جهد وعمل فى سبيل التقدم والتنمية فى كل ربوع الأراضى والمناطق الصينية ، ليست فقط كل ما يتعلق بالجانب الاقتصادى انما ايضا فى مختلف نواحى الحياة خاصة مواطنيها كل على حد سواء .
ليس من يسمع أو يقرأ كمن يرى ويعيش التجربة بنفسه ،هكذا تريد الصين ان توصل صورتها الداخلية  ليس عبر وسائلها الخاصة انما عن طريق عيون أخرى غير صينية- وهنا اقصد الإعلام الأجنبى - لكى تصل صورتهم للأخرين منزوعة من أى مبالغات أو ادعاءات على غير الواقع .
فى اليوم الثالث والأخير لقمة البريكس التى عقدت الأسبوع الماضى فى مدينة شيامن بمقاطعة فوجيان الواقعة على الساحل الشرقى للصين ،عقب انتهاء المؤتمر الصحفى للرئيس الصينيى تشى جين بينج ، توجهنا إلى نينجيشيا ،حيث اخذنا رحلة طيران إلى مطار مدينة شيان ثم رحلة أخرى الى مدينة ينشوان عاصمة نينجيشيا، حيث يعد الطيران الداخلى هو وسيلة أسياسية للتنقل بين المقاطعات الصينية ،حيث تحوى الصين مايقرب من 230 مطاراً  فى جميع مقاطعاتها وعددها 31 مقاطعة .
حسن التخطيط والنظام لمدينة ينشوان العاصمة يجعلك تشعر بمجرد الخروج من المطار انها مدينة خالية من البشر، فالشوارع واسعة، وحركة المواطنين والسيارات قليلة ، عشرات المشروعات من طرق وكبارى وسكك حديدية  وأبراج عالية  مازالت تحت الإنشاء  تتم على قدم وساق ، الاهتمام بأدق التفاصيل هو ما يبهرك !، فرغم الطبيعة الجغرافية الصحراوية  الغالبة للمنطقة إلا انك تجد اللون الأخضر هو مايغلب، منطقة تجمع بين الصحراء وسحر الطبيعة الخلابة ،ملايين الأشجاء والنباتات والزهور مزروعة على جانبى الطرق  بشكل يدهش الأنظار  تشعر وكأنك تشاهد لوحة فنية تبعث فيك روح المتعة والإنتعاش ، كل ما رصده من خلال نافذة السيارة منذ خروجى من المطار وصولا إلى الفندق جعلنى اتيقن أن هذه المقاطعة ستكسر كل قواعد اللعبة نحو الإزدهار والتقدم ، وستصبح مركزاً اقتصاديا عالميا  مفتوحا على العالم خلال الفترة القصيرة القادمة بكل ما تحمل الكلمة من معنى.  


نينجشيا.. الحضارة
تتمتع  نينجشيا ذات الحضارة  والتراث القديم بإمكانيات وثروات وموارد طبيعية هائلة كما يتميز مواطنيها بالكرم وحسن الضيافة فضلا عن البساطة والتواضع الشديد، وتعد الزراعة الذراع الاقتصادية لها  حيث يمثل النهر الأصفر روح هذه المنطقة  خاصة فى منطقة الشمال، بينما مازال هناك تراجعا اقتصاديا خاصة وسط وجنوب  المقاطعة، بسبب الطبيعة الجغرافية الصعبة  فى تلك المناطق ،  وزيادة نسبة الفقر بها، لذلك  كانت اولى وجهاتنا  الى منطقة الجنوب ، حيث تبذل حكومة مقاطعة نينجشيا بمساعدة الحكومة المركزية الصينية  جهودا جبارة للارتقاء وتنمية هذه المناطق عن طريق توفير الامكانيات والخدمات لمواطنيها و تشجيع الشركات الصينية للاستثمار هناك وخلق فرص عمل لهم بها فى مجالات مختلفة، ليس هذا فحسب بل تجعلهم يصبحون شركاء لهم ويمتلكون اسهماً فيها ، كان من ضمن هذه الجهود إنشاء مدرسة  كبيرة  وهى مدرسة يوكاى المتوسطة العليا  فى 2008  تضمن اماكن اقامة للطلاب والمعاملين ، بهدف تعليم الأطفال الفقراء مجاناً تضمن 144 فصلا وتتسع 7500طالباً ،ويعمل بها 555 معلما ذى خبرة عالية حيث  80% بينهم حاصلين على درجة الماجستير وتوفر لهم  منحة شهرية لكل طالب تبلغ ألف يوان صينى ،تشمل المدرسة انشطة وفنون متنوعة ومختلفة بجانب الجانب التعليمى ، لا اخفى ابهارى  ودهشتى مما شاهدته داخل هذه المدرسة ، وعلامات الرضا والسعادة  على  كل الوجوده عاملين قبل الأطفال ، رسالة نبيلة حقاً  تمثل دراساً عظيماُ للانسانية بكل معانيها.
آفاق جديدة
لم تتوقف الأفكار والجهود التى تبذلها حكومة نينجشيا  على الجانب الاقتصادى  فقط، بل ايضا  تمتد إلى تحقيق العدالة الاجتماعية  وتوفير سبل العيش لمواطنيها ، حيث تسعى الى رفع مستوى معيشتهم، واعطت أولوية للفقراء  الذين كانوا يشكلون نسبة كبير فى المقاطعة ، حيث كان يعيش أغلبهم فى المناطق الجبلية  والسهول الصحراوية الصعبة الواقعة فى منطقة الجنوب والوسط ، فقامت بانشاء احياء جديدة اومجمعات سكنية  مجهزة  بكل المرافق والخدمات   وتتوافر بها كل سبل العيش ثم طلبت  المواطنين والذى يمثل المسلمين منهم  نسبة 35%  للانتقال للعيش فيها بدلاً من العيش فى تلك المناطق الجبلية القاسية  ذات المناخ الجغرافى الصعب ، مثال على ذلك قرية "مين نينج"  مساحتها 210 كم2 والتى يعيش فيها مايقرب من 44 ألف من سكان  المناطق الجبلية  بعد نقلهم إليها فى 2012 بمقابل مادى  متواضع وتقع القريبة جنوب مدينة ينشوان ، بعد الانتقال الى الحياة الجديدة اصبح بعد المواطن الشهرى مايقرب من 10 آلاف يوان بعد ان كان لا يتعدى 500 ايوان  اثناء معيشتهم فى المناطق الجبلية ، وغيرها من القرى الجديدة  التى  اصبحت فى طريقها الى التطوير والتنمية  وتشارك فى فتح آفاق جديدة  لزيادة النمو الاقتصادى  للمقاطعة والدولة نفسها.


حديقة الزهور


تعد مدينة ينشوان ويعنى اسمها" نهر الفضة" من أهم المدن الصينية المنتجة للزهور  فهى ثانى اكبر مدينة داخل الصين  مصدره للزهور فى العالم ، حيث تمتلك حديقة للزهور ذات مساحة ضخمة تتعدى مساحتها خمسة آلاف فدان  تضمن انواع مختلفة ونادرة من النباتات والزهور ، حيث تنتج مايقرب من  80 مليون زهرة فى السنة ،  وتمثل هذه الصناعة  مصدرا اساسىا للدخل للمقاطعة عن طريق عمليات التصدير حيث تدخل فى صناعات مختلفة منها صناعة العطور والأدوية  وغيرها .


تخطو نينجشيا خطوات ثابتة نحو النهضة والتقدم خلال السنوات العشر الماضية ، حيث اصبحت تضمن مناطق صناعية مختلفة بفضل تطويرها لقطاع الزراعة المسقية، كما أنها أرضها غنية باحتياطيات الغاز الطبيعي وغاز طبقات الفحم ، بالإضافة الى الدخول فى صناعة الأغذية الحلال ومستلزمات المسلمين، حيث اصبحت المقاطعة من أكبر المنافسين لشركات الأغذية الاجنبية وأيضا الصينية مملوكة للحكومة ، فضلا عن استغلالها مناخها الحار واقامت محطات لتوليد الكهرباء بالطاقة الشمسية، وتسعى إلى فتح اسواق لها فى الخارج  وتوسيع مجالات التعاون الدولى فلديها 3 مطارات بينهم مطار ينشوان الدولى ،كما انها تعد بوابة هامة  للتواصل مع العرب والمسلمين  ،ولاسيما ان الحكومة الصينية تشجع هذا التواصل وتعمل على دفعة بصورة أكبر عن طريق اقامة المعارض والمؤتمرات التي تشارك فيها الدول العربية،أخرها معرض الصين والدول العربية 2017الأسبوع الماضى، فى الوقت الذى تقوم  فيه بتحسين وانشاء بنية تحتية ومشروعات ضخمة بوتيرة سريعة .




   مسجد نياجاو
يشكل المسلمون فى نينجشيا نسبة 60 % تقريبا من اجمالى سكان المقاطعة ،  ولهذا عندما تطأ قدماك على هذه الأرض ، تستقبلك الأجواء الإسلامية ، فترى النساء  محجبات  فى الشوارع ، المآذن المساجد  تراها على مسافات بعيدة  واقفة شامخة  مبنية على التراث الاسلامى يضفى عليها النمط الصينى ، لافتات  المطاعم واللوحات الإرشادية مكتوبة باللغة العربية ، كما حرص المسلمون في نينغشيا على تعليم اللغة العربية وعلوم القرآن، والكثير من المدارس والجامعات وكذلك المساجد تقوم بتعليم اللغة العربية فضلا عن المساجد التي تولي اهتماما أكبر بتدريس القرآن والأمور الفقهية، كما يبلغ عدد المساجد فى المقاطعة حوالى3800 مسجد، ومن أشهر معالم المدينة  مسجد نياجاو حيث  سنحت لنا فرصة لزيارة  ، وهو يقع فى قرية نياجياو بمنطقة يونجنينج جنوب مدينة ينشوان ، ويعد من اقدم المساجد الموجودة فى الصين ، تأسس عام 1525 فى عهد اسرة مينغ ، ويقع على مساحة 8 آلاف متر تقريبا   ويتكون من عدة مبانى مخصصة ،منها قاعدة كبيرة للصلا تتسع لـ1500 مصل، ومبنى للحمامات ،ومأذنة ، وبرجين  لرؤية الهلال، فضلا عن بوابة ذات تراث صينى قديم عن المدخل الرئيسى للساحة الكبيرة التى تتسع لألف مصل ، عند دخولنا المسجد كان هناك عدد من المصلين  يستظلون تحت احدى المظلات الخشبية الواقعة فى الساحة المسجد الخارجية وبمجرد رؤيتنا قادمين ، قدموا نحونا والابتسامة تملأ وجوههم  وبادروا بإلقاء تحية الإسلام فى تواضع وترحيب شديد ، وظلوا برفقتنا طوال فترة زيارتنا للمسجد ، ليودعوننا بتحية الإسلام "السلام علكيم" .