ياسر رزق يكتب: ضربة «درنة / الجفرة».. وما بعدها

ياسر رزق
ياسر رزق

- جاهزين يايونس؟

.. هكذا سأل الرئيس عبدالفتاح السيسى القائد الأعلى للقوات المسلحة، الفريق يونس المصرى قائد القوات الجوية.

- رد قائد النسور: »تمام يافندم«..

.. فقال الرئيس: «على بركة الله..إدى الأمر».

•  •

كان ذلك فى حوالى الخامسة والنصف مساء الجمعة، بعد نحو ٣٠ دقيقة من بدء الاجتماع العسكرى الأمنى المصغر الذى عقده الرئيس السيسى لتدارس الأمر واستطلاع أبعاد الموقف وتحديد الخيارات.. ثم اتخاذ القرار، فى أعقاب الهجوم الإرهابى على حافلة تقل مواطنين مصريين قرب دير الأنبا صموئيل بمحافظة المنيا.

قبيل الاجتماع رفيع المستوى، كانت القيادة العامة للقوات المسلحة تبحث فى خطط الرد تنفيذا لأوامر الرئيس السيسي، ثم عكفت قيادة القوات الجوية على وضع خطة العمليات الجوية لضرب معسكرات الإرهاب التى تتدرب بها عناصر إرهابية، تتسلل من الحدود مع ليبيا عبر الدروب الصحراوية لتنفيذ جرائمها بمصر، وكانت المعلومات التفصيلية من المخابرات العامة والحربية أهم أسس تحديد المواقع والأهداف:

<  <  <

فى حدود الساعة السادسة مساء، انطلقت موجات الضربة الجوية التى أمر بها الرئيس السيسى أقلعت طائرات الاستطلاع الإلكترونى، وطائرات الحماية الجوية والمقاتلات القاذفة متعددة المهام من عدة قواعد جوية فى توقيت منسق، لتأكيد المعلومات عن الأهداف التى سيتم ضربها وإحداثياتها بدقة، ثم التعامل معها وتدميرها، مع الاستعداد لأى طارئ.


شارك فى تنفيذ الضربة الجوية، ليس ٦ طائرات، أو ٨ أو حتى ١٠ طائرات، كما تكهنت بعض وسائل الإعلام، بل ٦٠ طائرة قتال، أى ما يزيد على ربع عدد الطائرات الحربية التى قامت بالضربة الجوية فى افتتاحية حرب أكتوبر، يوم العاشر من رمضان.

لم تقتصر الضربة على ٦ مواقع كما تردد، بل استهدفت ١٥ موقعا.

لم تتركز الضربة على منطقة واحدة فى شرق ليبيا هى «درنة» حيث توجد مراكز للإرهابيين، بل شملت أيضا منطقة «الجفرة» فى وسط ليبيا جنوب خليج سرت، حيث توجد معاقل أخرى للإرهاب.

الأهداف المحددة للضربة، شملت مراكز قيادة لتنظيمات الإرهاب، ومواقع تدريب للعناصر الإرهابية، ومخازن عتاد أسلحة وذخيرة وتجمعات للدبابات والمدرعات.

لعلنا ندرك لماذا قال الرئيس السيسى فى كلمته المتلفزة عقب الاجتماع الأمنى العسكري: «إن الضربة عنيفة جدا».

١٢ ساعة كاملة استغرقتها الضربة الجوية منذ إقلاع الطائرات من قواعدها، وحتى عودتها بسلام فى السادسة «صباحا»، بما فيها طلعات تأكيد الضربات، وأعمال استطلاع النتائج.

نتائج الضربة كانت رائعة، حسبما أوضحت الصور الجوية التى التقطتها الطائرات المصرية، وحسبما كشفت أعمال الرصد التى قام بها الجانب الليبى الذى تم التنسيق معه قبيل تنفيذ الضربة، للتأكد من تدمير جميع الأهداف.

ولأول مرة.. كانت رأس الحربة فى الضربة الجوية، هى المقاتلات المتطورة متعدة المهام طراز «رافال» فرنسية الصنع وطراز «إف- ١٦/بلوك ٥٢» الذى يعد أحدث جيل من هذه المقاتلة الأمريكية.

من يتمعن فى البيان الذى ألقاه الرئيس السيسى عقب الاجتماع رفيع المستوي، لا بد أن يدرك أن عملية «درنة/الجفرة» لن تكون الأخيرة، وأن الحرب المصرية على معاقل الإرهاب أينما وجدت، لن تقتصر على أماكن تمركزها فى ليبيا وحدها.

العملية بدأت وستستمر وستمتد.

<  <  <

ثمة ملاحظات يمكن استقراؤها من عملية «درنة- الجفرة»، ويتعين التوقف عندها، لفهم وإدراك عملية صنع واتخاذ القرار السياسى والسياسى / العسكرى فى عهد قيادة وطنية تتمتع بالإقدام فى غير مغامرة، وبالجرأة فى غير اندفاع، تجافى العدوان ولا تقبل فى نفس الوقت الاعتداء.

ومن أهم هذه الملاحظات فى تقديرى:

< تغيرت الاستراتيجية المصرية فى مواجهة الإرهاب داخليا وخارجيا، من التحسس والترقب والاستعداد إلى الاستباق والإجهاض.

< منظومة القرار فى الدولة المصرية الحديثة تعتمد على المعلومات المدققة المحدثة الجاهزة للاستعانة بها لاتخاذ أنسب القرارات فى أحرج الأوقات، تنسيق وتعاون وتكامل بين أجهزة المعلومات الاستراتيجية والعسكرية والأمنية يتم على أكمل وجه.

< جاهزية القوات المسلحة والاستعداد القتالى لتشكيلاتها برا وبحرا وجوا على أعلى مستوى، وهو ما ظهر فى سرعة تخطيط وتنفيذ عملية جوية كبرى فى سويعات قليلة وإحراز نتائج مبهرة.

< خطة تحديث الجيش المصرى بمختلف أفرعه، لم توضع اعتباطا، ولا يحكمها فى تطوير التسليح شهوة الاقتناء، كما يردد مغرضون وينساق وراءهم جاهلون، وإنما يحكمها الضرورة والاحتياج، وفق التهديدات والمخاطر والتحديات القائمة والمحتملة، لإقليم الدولة والمصالح الحيوية لها ومقدرات الشعب، وإعمالا لمبدأ الردع باليقين إزاء امتلاك القوة والمقدرة على دحر أى عدوان.

ولعلنا ندرك أن حصول قواتنا الجوية على مقاتلات «الرافال»، هو الذى أدى إلى استطالة ذراعها لتصل إلى معاقل الإرهاب قرب غرب ليبيا، مثلما لا بد أن نعرف أن حصول قواتنا البحرية على الفرقاطة «فريم» وحاملتى الطائرات طراز «ميسترال» والغواصة الألمانية المتطورة طراز (٢٠٩) مع إنشاء الأسطول الجنوبى، هو الذى يكفل لسلاح البحر المصرى حماية مقدرات الشعب فى مياهه الاقتصادية بالبحر المتوسط والدفاع عن مضيق باب المندب لتأمين تدفق الملاحة عبر قناة السويس، كذلك النقل الاستراتيجى لمشاة الأسطول المصرى إلى حيث توجد مصالح مصرية لتأمينها أو درء الخطر عنها. ولعل كثيرين لا يعلمون أن كل هذه الصفقات من الأسلحة التى أعلن عنها، وغيرها الذى يصل قريبا، تم التعاقد عليها من موازنة القوات المسلحة دون تحميل الموازنة العامة المثقلة بأى أعباء رغم أن الانفاق على الجيش من موازنة الدولة، ليس عيبا ولا نقيصة!

<  <  <

فى غمرة هدوء نيران الرغبة فى الثأر التى تعتمل فى صدور المصريين عقب حادث المنيا وما سبقه، وفى غمرة مشاعر الفخر بقواتنا المسلحة وفى مقدمتها سلاح النسور، والتقدير لقائدنا الجسور ولرجاله أصحاب العزائم، لا بد ألا نغفل عن أن مؤامرات الإرهاب وجرائمه لم تنته بعد، وأن الضربة الجوية وما سيتلوها قد يتبعها أعمال أو عمليات ممن دخل دائرة اليأس.

والتقديرات تشير إلى أن هناك مسارات تتجه تنظيمات الإرهاب ورؤوسها ومن يقف وراءها إلى انتهاجها والتركيز عليها، ويقينى أن ذلك كان مثار اهتمام وتركيز - بلا شك - من جانب الرئيس ومعاونيه فى الاجتماع الأمنى العسكرى المصغر، ولا بد أن يكون موضع دراسة ومتابعة وقرار من جانب المجلس الأعلى لمكافحة التطرف والإرهاب، المنتظر الانتهاء قريبا جدا من التشريع الخاص به ومن إصدار تشكيله ليباشر مهامه الحيوية.

ومن أبرز المسارات التى تتجه إليها تنظيمات الإرهاب وعلى رأسها جماعة الإخوان خلال المرحلة المقبلة:

- التأثير على النظام المالى والمصرفى لعرقلة أى تقدم تجاه استقرار سعر الصرف ونزول الدولار إلى سعره العادل، وبالتالى انخفاض أسعار السلع بالأسواق وكبح الغلاء.

- إحداث ثغرة فى صف شركاء الوطن عن طريق استهداف دور العبادة والمنشآت المسيحية واختلاق شائعات بغرض بث الفرقة.

- تنفيذ سلسلة من جرائم اغتيال شخصيات سياسية وعسكرية وقضائية وإعلامية بغرض إظهار أجهزة الدولة فى صورة العاجزة عن توفير الحماية لأركان النظام والشخصيات العامة بالبلاد، وبث الإحباط فى نفوس المواطنين.

- استهداف منشآت مهمة وحيوية بالتفجيرات لا سيما التى يرتبط منها بالمشروعات القومية الكبرى أو ذات المكانة الدولية، لإجهاض الخطوات المبشرة التى اتخذت لجذب الاستثمار الأجنبى، وتقويض صورة مصر كدولة مستقرة قادرة على تأمين مقدرات شعبها أمام العالم.

<  <  <

الوعى، والحذر، والحرص على وحدة الصف، هى درع الشعب أمام مؤامرات الإرهاب، ومسئولية الإعلام أن يزيد من صلابة الدرع ومنعته، لا أن ينشغل بالسفاسف وتوافه الأمور ويفت فى متانة الدرع.

أما عن أجهزة الدولة فظنى أنها لا بد أن تعكف على إعداد ملفات متخمة بأدلة دامغة موجودة بالوثائق والأشخاص وسوف يحين وقت إعلانها، تدين الدول الداعمة للإرهاب وشخصيات قيادية فيها، لتكون جاهزة أمام المحافل الدولية والمنصات الجنائية الدولية واعتقادى أن مجلس النواب مطالب بإصدار تشريع مشابه لتلك التى صدرت عن برلمانات دول كبرى، تضمن حقوقها وحقوق مواطنيها فى التعويض من كل من تلطخت يداه بدماء أبنائها وكل من خرب منشأة فى بلادها.

سوف يدفعون الثمن.. الدم بالدم، والمال بالمال.