تعرف على حكاية مدفع رمضان.. وقصة "الحاجة فاطمة"


يروي الباحث الأثري في تاريخ الدولة الإسلامية والقبطية د. سامح الزهار، حكاية مدفع رمضان التي تعددت الحكايات عن نشأة فكرة تنبيه المسلمين لوقت الإفطار والسحور بإطلاق مدفع رمضان.
وارتبطت الحكايات بجملة شهيرة هي "مدفع الأفطار ..أَضرب"، حيث اعتاد المصريين على سماعها مع غروب الشمس قبل أذان المغرب لتجتمع الأسرة حول المائدة لتناول الإفطار بعد صيام نهار بأكمله، وكذلك قبل الفجر لتنبهه المصريين إلى وقت الإمساك عن الطعام والشرب ليبدأ فجر يوم جديد من الصيام .

مدفع "الحاجة فاطمة":

عرفت القاهرة كأول مدينة إسلامية تستخدم مدفع رمضان رغم كثرة مساجدها ومأذنها وقد تعددت وكثرت الروايات حول بداية ظهور مدفع رمضان وكذلك تسميتة بمدفع "الحاجة فاطمة" ونروي لكم قصة مدفع الإفطار وأنتقالة من مصر إلى الدول الإسلامية.
قال الباحث ألاثري في تاريخ الدولة الأسلامية والقبطية الدكتور سامح الزهار ، أن هناك أكثر من روايه تاريخية تدور حول قصة مدفع رمضان ولكن الراوية الأكثر صدقا أن مدفع رمضان يرجع إلى عام 859هـ/1439في عهد السلطان المملوكي "خوشقدم" حينما تلقي "مدفع هدية "من صاحب مصنع ألماني، فأمر "خوشقدم " بتجربته على الفور فتصادف تجربتة أول يوم رمضان حيث خرجت دانة من المدفع تزامنت مصافة مع غروب الشمس فظن سكان القاهرة أن ذاك إيذانا لهم بالإفطار.
وبعد الفطار توجه المشايخ إلى منزل السلطان" خوشقدم"  لشكره على هذه العاده الجيدة فتفاجئ السلطان وأعجب بذلك الأمر فأمر بإطلاق المدفع عند غروب الشمس في كل يوم من أيام رمضان وأستمرت هذه العادة إلى يومنا هذا.
اشتهر مدفع رمضان باسم »الحاجة فاطمة«، ويرجع الاسم للأميرة «فاطمة» ابنة الخديو إسماعيل، فأجمع المؤرخون على أن البداية كانت عند غروب أول يوم من شهر رمضان (عام 866هـ، 1461م) في فترة سلطنة السلطان خوش قدم الناصري المؤيدي الرومي، حيث أراد السلطان  أن يجرب مدفعًا جديدًا وصل إليه من الغرب، وقد صادف إطلاق المدفع وقت أذان المغرب، فسر الناس سرورًا عظيمًا، حيث ظنوا أن السلطان تعمد إطلاق المدفع لتنبيه الصائمين إلى موعد الإفطار، فخرجت جموع أهالي القاهرة إلى  القلعة مقر الحكم لتقديم الشكر للسلطان ، فظن الناس أنه نظام جديد للإعلان عن موعد الإفطار، فعلمت بذلك الأميرة فاطمة ابنة الخديو إسماعيل، فأصدرت أمرًا بإطلاق المدفع عند الإفطار والإمساك، وفي الأعياد الرسمية.
وقد ارتبط اسم المدفع باسم الأميرة حتى الآن، وهو مدفع ألماني الصنع من ماركة «كروب»، ويبلغ من العمر أكثر من 140 عامًا، ويقال إنه اشترك في ثلاث حروب؛ هي: تركيا ضد روسيا في شبه جزيرة القرم، وحرب المكسيك، وكذلك محاولات غزو بلاد الحبشة، وهو موجود حاليًا في قصر الأميرة فاطمة إسماعيل بالدقي الذي تحول إلى المتحف الزراعي.


أكثر من مدفع لرمضان بالقاهرة :

أصبحت خمسة مدافع للإفطار، مع توسع العمران كانت الحاجة إلى زيادة عدد مدافع رمضان في القاهرة، اثنان في القلعة، وواحد في كل من: العباسية، وحلوان، ومصر الجديدة، وظل مدفع القلعة هو الرئيسي.
وبعد ظهور الراديو، توقف مدفع الإفطار عن عمله لفترة، وكانت الجماهير تفطر على صوته المسجل في الإذاعة، لكنه عاد مرة أخرى في ثمانينيات القرن الماضي بناء على أوامر وزير الداخلية «أحمد رشدي» الذي أمر بتشغيله ثانية، ومن المكان نفسه فوق سطح القلعة، طول أيام شهر رمضان وخلال أيام عيد الفطر أيضًا.
وقد اعترضت هيئة الآثار المصرية لأن المدفع يهز جدران القلعة، ومسجد محمد علي، والمتاحف الموجودة في حرم القلعة الأثري، فوافقت وزارة الداخلية على نقله مرة أخرى من القلعة إلى جبل المقطم القريب أعلى القاهرة، مما يتيح لكل أبناء القاهرة سماعه.
وحاليًا يوجد مدفعان كبيران على هضبة المقطم يعملان بالتناوب خلال شهر رمضان، وأيام العيد، بينما لا يزال هناك مدفع ثالث أمام متحف الشرطة في منطقة آثار القلعة، ويعمل المدفع تحت إشراف الجهات الأمنية، حيث يخصص لكل مدفع مجموعة من صف الضباط الأكفاء حتى لا تتقدم أو تتأخر الأوقات.

مدفع" محمد علي":

تقول إحدى الروايات أن والي مصر محمد علي الكبير،أشترى عدد كبير من المدافع الحربية ضمن خطتة لبناء جيش قوي لمصر،وفي إحدى أيام شهر رمضان.
كانت تجرى الاستعدادات لإطلاق أحد هذه المدافع كنوع من التجربة ،فأنطلق صوت المدفع مدويا في نفس لحظة غروب الشمس مع أذان المغرب.
فأعتقد الصائمون أن هذا تقليد جديد واعتاوا علية وسألوا الحاكم ان يستمر هذا التقليد خلال شهر رمضان في وقت الإفطاروالسحور ،فوافق وتحول إطلاق المدفع بالذخيرة الحية مرتين يوميا إلى ظاهرة رمضانية مرتبطة بالمصريين كل عام.
وظل المدفع يعمل بالذخيرة الحية حتى عام 1859 ولكن بامتداد العمران حول مكان المدفع قرب القلعة ،وظهور جيل جديد من المدافع التي تعمل بالذخيرة “الفشنك” الغير الحقيقة أدى ذلك إلى الاستغاء عن الذخيرة الحية كما كانت هناك شكاوى من تأثير الذخيرة الحية على مباني القلعة.
وفي منتصف القرن التاسع عشر، وتحديداً في عهد الوالي «عباس حلمي الأول» عام 1853، كان ينطلق مدفعان للإفطار في القاهرة، الأول من القلعة، والثاني من سراي عباس باشا الأول بالعباسية ـ ضاحية من ضواحي القاهرة ـ وفي عهد الخديوي إسماعيل تم التفكير في وضع المدفع في مكان مرتفع حتى يصل صوته لأكبر مساحة من القاهرة، واستقر في جبل المقطم، حيث كان يحتفل قبيل بداية شهر رمضان بخروجه من القلعة محمولاً على عربة ذات عجلات ضخمة، ويعود يوم العيد إلى مخازن القلعة مرة أخرى. ويقوم على خدمة المدفع أربع من رجال الأمن الذين يعدون البارود كل يوم مرتين لإطلاق المدفع لحظة الأفطار ولحظة الأمساك.
وتوقف مدفع القلعة أكتوبر عام 1992 مع الزلزال المشهور حفاظا على جدران المنطقة الأثرية لحدوث بعض التصدعات نتيجة تفريغ الهواء والصوت وما يسببهم من خلخلات. وأصبح صوت المدفع يسمع من خلال أثير الإذاعة المصرية والتلفزيون الإ ان المدفع يضرب في بعض الأماكن كرمز إلى رمضان ليس الإ.
المدفع سيظل في مكانة أمام متحف الشرطة بالقلعة ويتم عمل صيانة دورية له وكذلك الدهانات المطلوبة حيث أنه يمثل جزء من تراث مصر.


من مصر إلى الدول الإسلامية:

بدات فكرة المدفع تنتشر في أقطار الشام أولاً،والقدس ودمشق ومدن الشام الأخرى ثم إلى بغاد في أواخر القرن التاسع عشر، وبعدها انتقل إلى الكويت حيث جاء مدفع أول مدفع للكويت في عهد الشيخ مبارك الصباح وذلك في عام 1907، ثم أنتقل إلى كافة أقطار الخليج قبل بزوغ عصر النفط، وكذلك اليمن والسودان وحتى دول غرب أفريقيا مثل تشاد والنيجر ومالي،وول شرق أسيا حيث بدأ مدفع الأفطار عمله في اندونسيا عام 1944م.