"حكاية الطبيب الذى عاش ليكتب"

تاج السر يفكر في كتابة سيرته الذاتية كاملة

• فى البداية أريد أن أعرف سر تحولك عن عالم الشعر إلى السرد القصصى وما الذى استهواك فى الرواية أكثر من القصيدة؟
- أعترف بأننى دخلت عالم الابداع عبر الشعر الذى بدأت فيه حياتى شاعرا يكتب القصيدة الطويلة، التى فيها نوع من الحكى، كنت أملك خاصية السرد داخل القصيدة، مما جعل الكاتب عبد الحكيم قاسم يشجعنى على كتابة الرواية، فهو الذى اكتشف بداخلى الروائى،  كتبت أول رواية فى حياتى« كرما كول» وكانت مشبعة بالشعر، كأنها قصيدة طويلة، كان البناء القصصى فيها بالصورة الشعرية، مما اربكنى، فالواقع يقول إنها ليست رواية، والنقاد قالوا إنه نوع جديد من الكتابة الروائية ،ثم بدأت أقرأ الروايات الحديثة، ثم عدت للسودان وانشغلت فى ممارسة الطب، وعملت فى أماكن بعيدة، ولكثرة التنقل والانشغال بتكوين الذات فى مجال العمل، انقطعت صلتى بالكتابة لثمانى سنوات، حتى انتقلت فى عام 1993 للعمل فى الدوحة. ثم كتبت روايتى الثانية »سماء بلون الياقوت»، وهى مستوحاة من بيئة شمال السودان، ثم تلاها رواية «نار الزغاريد» ثم «مرايا ساحلية» وهى الرواية التى أحدثت نقلة فى تجربتى الروائية، وكانت عبارة عن سيرة عن منطقة «بورتسودان»، وبعدها كتبت «سيرة الوجع» وكانت عن ذكريات متنوعة من البلدة البعيدة التى كنت اعمل بها «طوكر»، ثم كتبت «صيد الحضرمية» و»عيون المهاجر».  صعدت فى حياتى ككاتب صغير ثم صعدت تدريجيا إلى أن وصلت إلى روايتى «مهر الصياح».
< كتاباتك تحمل هموم الانسان الذى يحمل الحنين بين أضلعه لبلاده، هل جاء ذلك بسبب كثرة تنقلك والعيش خارج وطنك الأصلى السودان؟.
- الكتابة عن الوطن والحنين إليه هى من مؤثرات الكتابة أو من مثيرات الكتابة، أن يكتب الكاتب عن الأماكن وذكرياته، وأنا عشت معظم عمرى خارج السودان، عملت كطبيب فى منطقة الحدود «المنطقة الارترية «ففى رواية « مرايا ساحلية» كنت أتذكر طفولتى فى السودان والتى وثقت فيها للمكان الجغرافى «البيوت المبنية من الخشب والحياة الأقرب إلى الطبيعة» كل هذه الأماكن تغيرت الان وصارت مكانها أبنية جديدة، لا تتخيلى إحساس الشخص حين يعود إلى وطنه وبيته القديم ولا يجده.
< «مهر الصياح» رواية تاريخية حققت شهرة بالغة، لماذا اخترت السرد المتخيل لكتابة التاريخ؟ ما هى دوافعك لكتابة هذا النص الرائع ؟
- دعينا نقول إن كتابة التاريخ شيء جميل، لكن فى تصورى أن كتابة الرواية التاريخية تنقسم إلى شيئين، جزء مستند إلى حقائق وشخصيات تاريخية حقيقية واذا امسكت بشخصية معروفة يصعب أن تجعلها خيالية، وإما رواية تكتب بقدر من الخيال وهذا النوع أفضله تخيل التاريخ يجعلك تحوم حول شخصيات أخرى بشيء لا يمت للشخصية الحقيقية بصلة، ورواية «مهر الصياح « تحمل اسقاطات كثيرة عن القهر والظلم فكان» الكوراك» وهو الصياح باللغة السودانية الدارجة وحينما ترجمت هذه الرواية للإنجليزية ترجمت بهذا الاسم، قدمت فى هذه الرواية شكلا اسطوريا للتاريخ من خلال شخصية صانع فقير للطبول.
< الأعمال الأدبية الجيدة، بعضها يجد رواجا والبعض الآخر كأنه لم يكن على الساحة.. فى رأيك ما الذى يصنع للعمل شهرته ورواجه؟
- كان نجاح العمل الادبى فى الماضى يتوقف رواجه على النقاد والحركة النقدية، لكن اليوم رواج العمل وانتشاره يخضع لذائقة القارئ، فإذا رأى القارئ أن هذا العمل جيد أذاع الخبر فى كل مكان أو هذا العمل سييء فيعكف الناس عنه، انتشار الروايات أصبح يخضع للحظ أو الترويج الذى يأتى من جانب القارئ، أصبح للنص سمعة يصنعها له القارئ.
< فى مسيرتك الإبداعية ما الذى أعطاه الطبيب للمبدع وما الذى منحه المبدع للطبيب؟
- تعلمت من الطبيب الصبر فى الكتابة، وأيضا تناولت شخصيات وأحداثا عشتها كطبيب مع المرضى الذين مروا فى حياتى قصص وحكايات افادتنى كروائى لقد مشيت فى أماكن وعرة لم أكن أسير فيها لولا أننى طبيب، التنوع اليومى الذى اراه فى البشر اعطانى تجارب حقيقية للكتابة، اما تجربة الكتابة جعلتنى كطبيب أكثر إنسانية لأن الكاتب يصنع شخصياته ويتعاطف معها.
< ماهى الفكرة التى تؤرق تاج السر فى كتاباته ويؤكد عليها فى عالمه الإبداعى؟
- «المهمشين» هم اهم فئة تؤرقنى فى كتاباتى، إنهم يعيشون فى بيئة ضعيفة، وانا اشتغلت فى أحياء فقيرة كثيرة بلا مقابل، هذه الحياة التى عملت فيها دارت حولها معظم رواياتى ففى رواية « العطر الفرنسى « دارت حول حى غائب وفى «رواية 366» تدور حول عالم مهمش تماما وأيضا روايتى صائد اليرقات تدور فى أحياء فقيرة وكذلك فى رواية « طقس»، الشخصيات المهمشة هى ما تشغل تفكيرى وكتابتى طول الوقت.
< فى رأيك هل الجوائز التى زاد عددها وقيمتها المادية، أفسدت الإبداع أما هى مشحذ إيجابى للمبدع على الكتابة؟
- الروايات التى تحصل على الجوائز ليست بالضرورة هى أفضل النصوص، الجوائز سلاح ذو حدين، قبل وجودها بهذا الزخم كان كل موهوب يكتب وليس فى ذهنه أى فكرة حول حصول عمله على جائزة، أما فى زمن الجوائز صار البعض يكتب روايات للجائزة، فهو شخص لديه قدرات يتخيل فيها العمل الذى يأمل ان يحوز به على جائزة ما. بالنسبة لى لا أهتم بالجوائز، أما إذا حصلت عليها فهذا شيء جميل فمثلا رواية العطر الفرنسى عربيا لم تقدر، ورغم ذلك دخلت فى قائمة أفضل رواية على جميع انحاء العالم وكانت النص العربى الوحيد بين الاف الروايات المكتوبة بلغات أخرى، هذه الرواية وراءها فكرة أن الغرب هم من يأتون إلى الشرق وليس العكس، حلم الشرق بالغرب، فى هذه الرواية عكست الفكرة وقلت إن الغرب هو الذى يأتى الينا، ورواية 366 عبارة عن رسالة إلى حبيبة رآها الحبيب مرة واحدة ثم انتحر وهى مستوحاة من قصة حقيقية وحصلت بها على جائزة كتارا.
< بعد كل هذه الروايات التى  حصدت اشهر الجوائز فى العالم العربى والغربى وترجمت لكل لغات العالم..  ما هى الفكرة الجديدة التى تشاكس أمير تاج السر فى هذه الأيام؟.
- أفكر جديا فى كتابة سيرتى الذاتية شاملة، لأننى كتبتها بشكل متفرق فى رواية « مرايا ساحلية «، ولكنى أريد أن أكتبها بصورة متكاملة.