«رئيس اللجنة العسكرية لتسلم سيناء» يكشف أسرار مفاوضات السلام مع إسرائيل

مفاوضات السلام مع إسرائيل كانت مثل الحرب تماما لا تقل ضراوة عن القتال علي الأرض بعد انتصار الجيش المصري في سيناء انتصار ساحق مما اضطر إسرائيل إلي طلب المساعدة من أمريكا للجلوس مع مصر علي طاولة المفاوضات حتى لا يقوم الجيش المصري بإبادتها.


بدأت إسرائيل مراحل السلام بالمماطلة حتى تحصل علي أي مكسب حتى ولو كان معنويا ولكن السادات وخلفه الجيش المصري رفض التنازل عن أي حبة رمل وطالب استرداد سيناء كاملة للثأر لدماء الشهداء الذين سقطوا علي أرضها خلال فترة الحرب .


وبمناسبة ذكري تحرير سيناء التقت «بوابة أخبار اليوم» مع اللواء محسن حمدي رئيس اللجنة العسكرية لتسلم سيناء، ليفتح لنا خزينة الأسرار التي لم يعاصرها الجيل الحالي، ويروي لنا كيف كان المفاوض المصري لا يقل عن المقاتل في الميدان بسبب العراقيل التي وضعتها إسرائيل لإفشال المفاوضات واستمرار احتلالها للأرض .


لماذا وافقت إسرائيل علي المفاوضات مع مصر عقب حرب أكتوبر؟

لابد أن يعلم الجميع أن مصر خاضت حرب في المفاوضات لا تقل شراسة عن الحرب في الميدان لأن إسرائيل لا تترك أبدا شبر استولت عليه، وما يحدث في فلسطين خير شاهد علي كلامي، أما مع مصر فالأمور مختلفة بعد نجاح الجيش المصري في عبور قناة السويس وإسقاط القناع عن الأكاذيب الإعلامية التي كانت تبثها إسرائيل في الإعلام الخارجي بأنها الجيش الذي لا يقهر وأن المصريين لن يستطيعوا عبور قناة السويس بسبب إمكانياتهم البسيطة وحجم التسليح المتواضع بالنسبة للتسليح الإسرائيلي .
وتابع: وقتها فوجئت إسرائيل والعالم كله بالمارد المصري الذي عبر القناة وحطم الأسطورة  فحاولت إسرائيل بمساعدة أمريكية كسب أي انتصار علي الأرض وقامت بالثغرة وحاصرت الجيش الثالث إلا أن هذا لم يكن في صالحها برغم الإمكانيات التي وضعتها أمريكا في يد الجيش الإسرائيلي من توافر معلومات وإمدادها بأحدث الأسلحة من خلال الجسر الجوي الذي فتحته أمريكا لإسرائيل إلا أن الخسائر البشرية والمادية والمعنوية خلال تلك العملية أدت إلى لجوء إسرائيل طلب المساعدة من الأمريكان للتدخل وطلب وقف إطلاق النار من الجيش المصري وبعد وقت وافق "السادات" على إيقاف إطلاق النار وظنت إسرائيل أنها سوف تقوم بهدنة مؤقتة للم شتاتها، ولكن السادات كان حاسما في قراراته إما استمرار الحرب أو المفاوضات العادلة التي تعيد الأرض المغتصبة .

كيف بدأت المفاوضات؟
بدأت بوقف إطلاق النار ثم انسحاب القوات التي دخلت من منطقة الثغرة إلى شرق القناة ولكن إسرائيل كانت تتنصل من بعض الشروط بتعالي في المرة الأولى والثانية وكنا ثابتين علي كلامنا بعد فشل المفاوضات الثانية .
استنتج الرئيس السادات برؤيته بعيدة المدى أن الموضوع ليس سهلاً، وهو ما دفعه للجوء للرئيس الأمريكي جيمى كارتر، رغم علمه أن أمريكا تؤيد إسرائيل بنسبة مليون في المائة ، ولكن هذه المرة كان  "كارتر" محايداً في مسألة التفاوض، واستجاب للرئيس السادات واجتمع الطرفان بالوساطة الأمريكية في «كامب ديفيد»، وتم التوصل إلى اتفاق من 6 مبادئ، من ضمنها أن يجتمع الطرفان لعمل معاهدة سلام، وكانت تتضمن أيضاً انسحاب إسرائيل من الضفة الغربية وقطاع غزة بالكامل خلال 5 سنوات وكان هذا عام 1977.


ما هو الموقف الأمريكي من المفاوضات ؟
حاول "كارتر" جاهدا إقناع "السادات" بالمفاوضات ولم ننسي الخطاب الشهير للسادات في مجلس الشعب عام 1977 بأن إسرائيل ستدهش عندما تسمعني الآن أقول إنني مستعد للذهاب إلى الكنيست للمفاوضات علي السلام الشامل والعادل .
ودعا السادات "بيجن" لزيارة مصر بعد الاجتماع الذي تم في الإسماعيلية بشهر واحد اجتمعت اللجنة السياسية من وزراء خارجية مصر وإسرائيل والولايات المتحدة في القدس، وفي أثناء انعقاد تلك اللجنة شرعت إسرائيل في بناء مستوطنات جديدة في سيناء، لاستخدامها كورقة مساومة على مصر. 
فلم يكن "بيجن" مستعدًا لقبول تنازلات، وقال وزير الخارجية الإسرائيلي "موشى ديان": إنه من الأفضل لإسرائيل أن تفشل مبادرة السلام على أن تفقد إسرائيل مقومات أمنها حتى لا تضيع وسط الدول العربية وتكون سهلة.
وعرض الإسرائيليون علينا ترك قطاع غزة للإدارة المصرية مقابل تعهد بعدم اتخاذها منطلقًا للأعمال الفدائية، وكان هدفهم من ذلك عدم إثارة موضوع الضفة الغربية، شعر السادات أن الإسرائيليين يماطلونه؛ فألقى خطابًا في يوليو 1978 قال فيه: إن «بيجن» يرفض إعادة الأراضي التي سرقها إلا إذا استولى على جزء منها كما يفعل لصوص الماشية في مصر، مما دفع أمريكا لتكون الطرف الثالث بين دولتين لا يريد طرفيهما التنازل عن حقه في المطالب .
وعندما تحدد الميعاد للسفر إلى "كامب ديفيد" كان في استقبالنا وزير الخارجية الأمريكي في عهد جيمي كارتر، وهو "سيروس فانس"، والوفد المرافق له، واجتمع بالوفدين، وبدأ الوزير الأمريكي بمقدمة بصفته المضيف ثم أعطى الفرصة لكل رئيس وفد بالحديث، وبدأ بالوفد الإسرائيلي طبعا ، وكان يضم موشيه ديان، وزير الدفاع الإسرائيلي، وعيزرا وايزمان.
بدأ "ديان" كلامه بنوع من التعالي والعنجهية المبالغ فيها علينا، وبعدما انتهى قال له «فانس» بما معناه باللهجة العامية: «بلاش كلام من تحت الترابيزة، واتكلم بالمكشوف ولا تقل تعليقات غير مقبولة»؛ وفي الحقيقة كان الوزير الأمريكي محايداً جدا ، ولم يكن الوفد الإسرائيلي يحبه لهذا الأمر.
وهنا قال وزير دفاع مصر: جئنا بقلب مفتوح استناداً إلى حديث الرئيس السادات في القدس، وذلك بعدما حاربنا لنثبت أننا نستطيع أن نحرر أرضنا بالقتال، لكنكم تنادون بالسلام، ونحن هنا لإقامة معاهدة السلام إذا أردتم .


هل طلب الوفد الإسرائيلي تأجير المطارات والحصول علي حق انتفاع لحقول البترول؟
نعم.. طلبوا تأجير بعض المطارات التي قاموا ببنائها بل وتأجير أماكن كاملة منها مدينة شرم الشيخ وكان ردنا وقتها بالضحك والسخرية لمطلبهم فنحن أمام خيار واحد لا يقبل الجدل، أرضنا كاملة أو نسف المفاوضات .
وكان أكثر المواقف غرابة هو طلب "ديان" بعدم دخول مناطق البترول في أبورديس وخليج السويس ضمن الاتفاق؛ فأرادوا استمرار سحب البترول من أراضينا تحت دعوى أنه سيتم الاتفاق عليها فيما بعد عقب ما يسمى بـ«إجراءات بناء الثقة» كما يقولون، كما طالبوا بأن يكون لهم وجود في سيناء عبر وجود أجهزة رادار على قمم الجبال لتراقب الجيش المصري إذا ما أراد الهجوم عليهم مرة أخرى مثلما حدث في حرب 6 أكتوبر 1973 على أن يديرها ضباط إسرائيليون، ووضع كاميرات تصوير على الضفة الشرقية للقناة لمراقبة قواتنا، وأن يكون خليج العقبة منطقة حرة الحركة لهم بالكامل، وأن يتم منحهم تسهيلات لدخول المنطقة في أي وقت، وهو ما تم رفضه بالكامل.
وفي الحقيقة كان الرئيس "السادات" يقول لنا قبل أي اجتماع مع لجنة المفاوضات «إوعوا تتنازلوا عن بترول سيناء»-"لا تفريط في الأرض لأنها مقدسة فلا يمكن أن نقبل بأي جدل أو مساومة علي ذلك أبدا"- وأنه لا مناقشة ولا مساس بالسيادة الكاملة على أراضينا.
وهذه التوجيهات كانت القوة التي تدفعنا بأن نرفع رأسنا عاليا لأننا أصحاب الأرض ورئيس الجمهورية يقف خلفنا ولن نتنازل عن حبة رمل واحدة .


كيف تم الانسحاب الإسرائيلي من سيناء ؟

نصت المعاهدة التي توصلنا إليها بعد جولات من المفاوضات على أن يكون الانسحاب بعد 3 سنوات، وذلك بعدما أراد الجانب الإسرائيلي أن تكون بعد 7 سنوات؛ فرفضنا وقلنا إننا نريدها الآن وليس غداً لكي نعطى الشهيد حقه؛ فقالوا أن تكون 6 سنوات فرفضنا، فقالوا 5 فرفضنا وقالوا 4 إلى أن وصلنا للاتفاق حول 3 سنوات .
وكانت هناك مرحلة انسحاب رئيسية مكونة من 9 أشهر، تم تقسيمها إلى 5 مناطق فرعية حتى نضمن سرعة انسحابهم، ولنأخذ البترول المصري بعدما كانوا يسحبونه بانتظام، وبالفعل انسحب الإسرائيليون من ثلثي سيناء في تلك المرحلة، ومن المفارقات التي أسعدتنا وقتها أن الرئيس "السادات" رفع العلم المصري على العريش قبل موعده المنصوص عليه في المعاهدة بعد موافقة «بيجين» على ذلك؛ فالانسحاب كان يتم بآلية دقيقة، وباقي مراحل الانسحاب تمت خلال الفترة المتبقية من الـ3 سنوات.