خلال قرنين من الزمن.. روسيا تقضي 128 سنة في حروب

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

تعد روسيا من الدول ذات الحدود المشتركة مع عدد لا بأس به من الجيران، كالنرويج وفنلندا وإستونيا ولاتفيا وليتوانيا وبولندا، وروسيا البيضاء وأوكرانيا وجورجيا وأذربيجان وكازاخستان وجمهورية الصين الشعبية ومنغوليا وكوريا الشمالية.  

كما أن لديها حدودًا بحريَّة مع اليابان في بحر أوخوتسك والولايات المتحدة عن طريق مضيق بيرينج. 

هذا الكم من دول الجوار يكشف حجم المساحة الشاسعة التي تحظي بها روسيا، إذ تعتبر أكبر بلد في العالم من حيث المساحة، وثاني أكبر إمبراطورية في تاريخ الإنساني، وتاسع أكبر دولة من حيث عدد السكان في العالم.

وشهد هذا التاريخ الطويل أيضا عدد ضخم من الحروب والغزوات، أخرها الغزو الروسي الأوكراني إبان الشهر الجاري، وخلال ما يقرب من 200 عاما خاضت روسيا، ما يكاد أن يكون ثلثا زمن وجودها بالحروب كما أوضحه مركز دراسات كاتيهون Katehon. والمتخصص في الأبحاث والتحليل الجيوسياسي والجيواستراتيجي .

علي مدار قرنين من الزمان وما يقرب من 200 سنة، كانت روسيا في حالة حرب وغزوات بلغت 128 سنة، ومن واقع السجلات التاريخية ظهر أن المواقف الدافعية التي مثلتها روسيا عن أراضيها في تلك الحقبة بلغت خمسة أعوام فقط، بينما شاركت في حروب هجومية لـ 123 عاما أخرى.

وبالنظر إلى تاريخ تلك الحروب، نجد أنها قد بدأت مع القرن الثاني بالعداء مع دولة السويد عندما اشتبكت جمهورية نوفجورود والتي تقع في منطقة التقاء نهري الفولجا وأوكا ،مع السويد من أجل السيطرة على بحر البلطيق الشرقي.

ومن ثم تم توقيع على معاهدة أورخوفيتسكس للسلام عام 1323 حيث أصبحت بذلك منطقة كاريليا تحت نفوذ نوفجورود، وفنلندا تحت النفوذ السويدي. وتلك الخطوة لم تكن سوى بداية الصراع الذي امتد لقرون طويلة.  ففي عام 1377، سيطرت السويد على كاريليا الغربية التي كانت تابعة لنوفجورود. 

روسيا والسويد

ومرة أخري يتصاعد الصراع السويدي الروسي حول بحر البلطيق الشرقي إلى مستوي جديد عام 1478 عندما أصبحت جمهورية نوفجورود جزءا من الدولة الروسية. 

في العام 1495، قرر إيفان الثالث خوض حربا ضد السويد لاسترداد كاريليا الغربية مرة أخرى، وبعد عدد من المعارك بين النصر والهزائم، وقعت الأطراف المتحاربة في مارس 1497، هدنة نوفجورود الأولى، التي استمرت ست سنوات وأعادت الحدود كما كانت عام 1323، وامتد السلام لفترة خاصة بعد توقيع اتفاقية التجارة الحرة بين السويد وروسيا. وفي مارس عام 1510 تم تمديد الهدنة لمدة 60 سنة أخرى.

ظلت التوترات بين البلدين كما لو كانت تقليدا حول بحر البلطيق، في زمن القياصرة الروس التالين، مثل إيفان الرابع والملقب بـ إيفان الرهيب 1530 1584، وفيودور الأول 1557 ـ 1598 وهو آخر قياصرة روسيا من أسرة روريك 1584 ـ 1598، وابن القيصر إيفان، وأخيرا، اليكسيس الأول. 

إلى أن جاء بيتر العظيم،1682 :  1725والذي يعد أحد أعظم من حكموا روسيا على مدار تاريخها. حيث شرع في اتخاذ سياسة التحديث والتوسع التي حولت روسيا القيصرية إلى الإمبراطورية وباتت إحدى أهم القوى على مستوى أوروبا.

أحدث بيتر العظيم، تغييرات جوهرية على توازن القوى في العلاقات الروسية السويدية. بعد انتصاره في الحرب الشمالية بين الأعوام 1700-1721، حيث خسرت السويد وتنازلت عن الأراضي لروسيا على الشاطئ الجنوبي للبحر البلطيق.

احتفظت السويد فقط بـ فيسمار وجزء صغير من بوميرانيا. وعقب هزيمة حرب الشمال، بدأ "عصر الحرية" في السويد، وهي فترة إضعاف سلطة الملك وتزايد الأهمية للبرلمان. 

وفي محاولة لاستعادة الاراضي التي فقدت خلال الحرب الشمالية، حاولت السويد مرارا وتكرارا ودخلت في صراع مع الإمبراطورية الروسية عدة مرات في الأعوام التالية 1741-1743، وأيضا في 1788-1790، وكذلك في 1808- 1809.

وأنتهي الأمر إلى توقيع معاهدة هامينا، التي أبرمت في سبتمبر 1809، تنازلت السويد بمقتضاها عن جزر آلاند، وفنلندا ولابلاند وحتى أنهار تورتي ومونيو. وفقدت السويد أكثر من ثلث أراضيها، ولم تعد مركز قوة عظمى.

روسيا وتركيا
وفي القرن السادس عشر وحتى بدايات القرن العشرين خاضت كل من روسيا وتركيا 12حربا خلال 241 سنة. في المتوسط، كان هناك حربا روسية تركية كل 19 عاما. 

ففي القرن السادس عشر جرت الحروب الدامية باستمرار بين الإمبراطوريتين العثمانية والروسية. وكانت حروب "تكسير عظام " للسيطرة على مناطق شمال البحر الأسود وشمال القوقاز، وفي وقت لاحق، للسيطرة على جنوب القوقاز، مع حق الملاحة في البحر الأسود ومضائقه، فضلا عن حقوق المسيحيين في الإمبراطورية العثمانية. 

خلال الحرب العالمية الأولى، والتي أسفرت عن سقوط الإمبراطورية العثمانية، كان لدى الإمبراطورية الروسية أيضا إمكانية السيطرة على القسطنطينية. ومن المفارقات أن الاتحاد السوفيتي لعب دورا مباشرا في تأسيس الجمهورية التركية. وتحول الخلاف الممتد لقرون الى الدعم الاقتصادي والعسكري للرئيس التركي الأول كمال أتاتورك. 

روسيا وبولندا

وعلي صعيدا أخر خاضت روسيا 10 حروب مع بولندا في الفترة 1018-1939، توترت العلاقات بين روسيا وبولندا بشكل دائم، ويرجع ذلك أساسا لقربهما من بعضهما ولوجود النزاعات الإقليمية المستمرة. خلال كل الصراعات الأوروبية الكبرى، كانت هناك دائما تعديلات على الحدود الروسية البولندية. بدأت المواجهة الأكثر خطورة بين روسيا وبولندا في بداية القرن السابع عشر، بسبب المشاكل مع الكومنولث البولندي اللتواني.

 وبحلول نهاية القرن الثامن عشر، خاضت روسيا أربع حروب مع الكومنولث البولندي اللتواني، والتي انتهت في القسم الثاني من بولندا. عام 1815، أصبح الجزء الشرقي من بولندا جزءا من الإمبراطورية الروسية، ولكن المواجهة بين البولنديين والروس لم تتوقف. 

انتفض البولنديون في القرن التاسع عشر 1830، 1863 واستطاعت روسيا الحد من الحريات البولندية. في عام 1832، تم إلغاء مجلس النواب البولندي وتم حل الجيش البولندي. ومع عام 1864، تم فرض قيود على استخدام اللغة البولندية وحركة الرجال البولنديين. وهذا ما يجعل ازدياد العداء ضد الحكم الروسي في بولندا لا يثير الدهشة.

بعد الثورة الروسية عام 1917، حصل البولنديون على الاستقلال في نهاية الحرب السوفيتية البولندية 1919-1921. ولكن بعد أقل من 20 عاما، في عام 1939، غزا الاتحاد السوفيتي بولندا، واحتفظ بالسيطرة حتى عام 1989.

روسيا وألمانيا

بعض الحروب الأخرى ومن بين الدول الأخرى التي لها تاريخ في خوض الحروب مع روسيا ألمانيا. حيث خاضت الدولتان ثلاث حروب رئيسية، اثنتان منها في الحربين العالميتين. 

روسيا وفرنسا
خاضت الإمبراطورية الروسية الحروب ضد فرنسا عدة مرات أيضا، بما في ذلك حرب التحالف الثالث 1805، وحرب التحالف الرابع 1806-1807، وحرب عام 1812، وحرب القرم 1854-1856. كما خاضت روسيا والاتحاد السوفياتي أربع حروب ضد اليابان، وشاركت ثلاث مرات في الصراعات العسكرية مع الصين.

ومن أبرز مشاركات روسيا العسكرية الحديثة تعتبر المشاركة العسكرية الروسية المباشرة منذ عام 2015 في الحرب العالمية الدائرة في سوريا من أهم وأنجح التدخلات العسكرية الروسية، حيث ساهمت هذه المشاركة في إعادة التوازن للنظام العالمي، وإيقاف توسع المنظمات الراديكالية الإرهابية التي انتشرت في السنوات الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط.

ويعد الغزو الروسي علي دولة أوكرانيا أخر حروب روسيا، إذ تعتبر روسيا أوكرانيا ضمن مجال نفوذها الطبيعي، ويري المحللون أن أسباب التوتر ازداد بسبب قرب أوكرانيا من الغرب واحتمال انضمامها إلى الناتو أو الاتحاد الأوروبي. 

احتدم العداء بين البلدين منذ عام 2014، عندما عبر الجيش الروسي إلى الأراضي الأوكرانية، بعد انتفاضة في أوكرانيا استبدلت رئيسها الصديق لروسيا بحكومة موالية للغرب. ثم ضمت روسيا شبه جزيرة القرم، وألهمت حركة انفصالية في الشرق.  تم التفاوض على وقف إطلاق النار في عام 2015، لكن القتال استمر.

وفي 21 فبراير 2022، وقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مراسيم تعترف بمنطقتين انفصاليتين مواليتين لروسيا في شرق أوكرانيا. وأعلن عن بدء "عملية عسكرية خاصة"  في أوكرانيا.

اقرأ أيضًا: قبل حربها ضد أوكرانيا.. هل حصنت روسيا نفسها من عقوبات الغرب؟