حكايات| التنويم بالإيحاء.. علاج مصري منذ آلاف السنين للمرضى النفسيين  

التنويم بالإيحاء.. علاج مصري منذ آلاف السنين للمرضى النفسيين  
التنويم بالإيحاء.. علاج مصري منذ آلاف السنين للمرضى النفسيين  

لم يترك المصري القديم بابا علميا إلا وطرقه، فكان العلاج الإيحائي أقدم طريقة من طرق التداوي الروحي للأمراض التي لجأ إليها الفراعنة.


لكن تاريخ التداوي الروحي للأمراض يعود إلى عهد الإنسان البدائي في أول تدرجه نحو المدنية، حيث كان ممتزجًا بالسحر والشعوذة، بحسب دراسة أثرية للدكتورة هناء سعد الطنطاوي الآثارية  بوزارة السياحة والآثار.


لعب التنويم بالإيحاء دورا كبيرا في العلاج؛ حيث جرى تقسيمها علميًا إلى مرحلتين هما البيتا والألفا وفي الأولى يكون الإنسان في مرحلة تعب ثم تبدأ الراحلة تدريجيًا عبر تردد العينين بين الإقفال والفتح وتكرار ذلك ببطء قبل أن تجمد حركة العينين، وهنا تنتهي مرحلة البيتا.


هنا تبدأ المرحلة الثانية وهي ألفا إذ يتغير تركيز الإنسان تمامًا ويكون داخليًا، ثم يذهب إلى عالم ثاني، وهنا تكمن مرحلة الألفا؛ حيث يثبت ذلك أنها حالة طبيعية وبدونها لا يمكن النوم ولا الراحة، وهذه المرحلة أيضًا موجودة طبيعيًا في الصلاة إن كنت تصلي بخشوع.

 

اقرأ أيضًا| بشواهد تاريخية.. الفراعنة أبرياء من اتهامات الشذوذ الجنسي

 

خبير الآثار الدكتور عبدالرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمي بجنوب سيناء بوزارة السياحة والآثار يرى أن التنويم بالإيحاء وهي حالة (ألفا)، التي تسبق النوم العميق مباشرة، هي مرحلة تتميز بالسكون التام، وفيها يتم برمجة العقل اللاواعي باستقبال رسائل إيجابية يطلقها المعالج عن طريق الإيحاء بالكلمات المناسبة، والتي تسمى بالاقتراحات.

 

ويستعمل التنويم بالإيحاء في علاج الكثير من الحالات النفسية مثل (الإحباط والتوتر والاكتئاب وغيرها)، وكذلك الحالات العضوية حيث يستخدمه بعض الأطباء للتحكم في الألم، وأصل كلمة تنويم هي كلمة مستمدة من مشتقات كلمة نوم.

 

وظل معبد إيزيس مقصدًا للمرضى للتداوي وينامون في المعبد، وكانت أحلامهم في تلك المعابد واسطة من وسائط التداوي الروحي لأمراضهم، بل كانوا يوصون المريض بالصوم عن الأكل واستخدام الحمامات الساخنة، والتدليك بالمسح بالأيدي والتفوه بكلمات غامضة مبهمة مع بعض الحركات الغريبة، ويقوون آماله في الشفاء بروايات عن مرضى كان يشكون مثل مرضه وسبق أن عولجوا في المعبد وشفوا تمامًا.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

أطلق على الساحر أو الطبيب الكاهن اسم «ساو»، وهم طائفة كانوا يستخدمون الوسائل النفسية مثل التعازيم والأحجبة والفنون السحرية، وكان لهم آثر كبير في شفاء الأمراض التي كانت تحتاج إلى علاج نفساني أو روحاني، وعلى هذا احتوت البرديات على ثلاثة أنواع من العلاج وهي العقاقير والجراحة والتعازيم.

 

 وعلى هذا فقد كان الالتجاء إلى الإله مع تلاوة النصوص الدينية نوعًا من الإيحاء النفسي وقصد به الاهتمام بالمريض وبعلاجه، فقد كان قدماء المصريين إذا ما أصابهم مرض مستعصي عمدوا إلى القربان والعبادة، والبخور والرقى، وهو ما أطلق عليه حديثًا العلاج بالتنويم الإيحائي.

 

اقرأ أيضًا| عملوها «الفراعنة الجدد».. الشمس تعود لـ«وجه رمسيس» بالمتحف الكبير

 

ابن سينا يقول صراحة إن قوة الفكر قادرة على إحداث المرض والشفاء منه، وأن للفكرة قوة مؤثرة، ليس على جسم الفرد نفسه بل على أجسام الآخرين، وأحيانًا يحدث هذا التأثير عن بعد، ويعتقد أن هذه القوة تحدث المرض، كما أنها تستطيع إحداث الشفاء.

 

ويأتي التنويم الإيحائي من تركيز البصر على شىء معين، فالإرهاق المستمر لحاسة البصر يشد مراكز العصب البصري مفسحًا المجال لحالة شبيه بالنوم.

 

 

وإجمالًا بين التنويم الإيحائي في مصر القديمة، وما أثبته العلم الحديث، أن هذا العلاج يمكن أن نطلق عليه (المخدر فكري)، والآن يستخدم التنويم بالإيحاء لتنظيف الماضي ثم بعد ذلك تنظيم الحاضر، ثم بناء المستقبل. 

 

وضيف ريحان: «يجعلك التنويم تغير معتقداتك، كما يعزز هذا العلاج القدرة على الاستقلال والقدرة على مواجهة المشاكل، بالإضافة إلى زيادة التغلب على العديد من المشكلات النفسية والتعامل معها بصورة صحيحة».

 

وأثبت العلم الحديث قوة الخيال والتخيل في مجال العقل، باعتباره قوة روحية تصقل التصورات الموجودة، وتربطها مع بعضها البعض، وتصنع حقائق لا وجود لها دون أن تستعين بالقوانين أو بالعالم الخارجي.

 

وما بين هذا وذاك فإن المصري القديم عرف معنى الحياة، وأنها تعني اتصالك مع نفسك، فالتنويم بالإيحاء يصل بالشخص إلى مرحلة الاسترخاء حيث يكون المخان الشمال واليمين متزنين بنفس درجة الراحة. فالعقل هو جالب الشفاء أو المرض ، النجاح أو الفشل.. المصري القديم عرف أن عدوك الداخلي وهو نفسك لو انتصرت عليه، فلن يستطع العدو الخارجي إيذائك.