أحلام جانتس الضائعة.. كيف حولها «التحالف مع نتنياهو» إلى سراب؟

بنيامين نتنياهو وبيني جانتس
بنيامين نتنياهو وبيني جانتس

يتمنى وزير الدفاع الإسرائيلي بيني جانتس، زعيم حزب "أزرق أبيض"، أن يمتلك آلة الزمن ليعود إلى يوم 15 مارس 2020، حينما تم تسميته رئيسًا للحكومة الإسرائيلية على ضوء نتائج انتخابات 2 مارس في ذات الشهر.

وتكتل خصوم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ضده، وجعلوا من جانتس مرشحًا لرئاسة الحكومة الإسرائيلية، من أجل إقصاء نتنياهو، وإزاحته من حكم إسرائيل المستمر منذ عام 2009، لكن جانتس فوّت هذه الفرصة على نفسه، واختار أن ينخرط في ائتلاف حاكمٍ مع خصمه نتنياهو، ولم يكن يدرك أنها بداية نهاية حلمه.

حلم جانتس، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الأسبق، في اعتلاء هرم السلطة في دولة الاحتلال تمخض دون أن يُنجب شيئًا، وضاعت أمانيه بين حيلة نتنياهو وعدم فطنة صاحب الحلم الضائع.

مشاركة قوية للحزب في بدايته

نعود للبدايات، إلى فبراير عام 2019، حينما تأسس حزب "أزرق أبيض" الوسطي، ليكون منافسًا في الانتخابات التشريعية للكنيست الحادي والعشرين، التي جرت في 9 أبريل من ذلك العام.

في تلك الانتخابات، وقف جانتس بحزبه الوليد "أزرق أبيض" ندًا بندٍ لحزب الليكود، الذي يتزعمه نتنياهو، وحصل على 35 مقعدًا في الكنيست، مثله مثل حزب الليكود، الذي حقق انتصارًا بهامشِ ضئيلٍ في عدد الأصوات.

ورغم تسمية نتنياهو رئيسًا للحكومة، إلا أنه لم ينجح في الوصول إلى الرقم المطلوب من عدد النواب في الكنيست، وهو 61 من أصل 120 نائبًا، ورفض وقتها جانتس إغراءات نتنياهو من أجل القبول بالانخراط معه في حكومة ائتلافية.

هذا الأمر كلف إسرائيل الاحتكام إلى انتخابات ثانية في نفس العام في 17 سبتمبر، ووقتها حصل حزب أزرق أبيض على الأكثرية بواقع 33 نائبًا مقابل 32 لحزب الليكود، لكن مع ذلك، حصلت كتلة اليمين، التي يتزعمها نتنياهو على 55 مقعدًا، فيما بلغ مجموعة كتلة اليسار والوسط والقائمة العربية المشتركة 54 مقعدًا، ليتم تكليف نتنياهو بتشكيل الحكومة في 25 سبتمبر، مع ضرورة أن تحصد حكومته على تأييد 61 نائبًا في الكنيست لاحقًا.

هذا الأمر فشل فيه نتنياهو مجددًا، وبعد مرور 42 يومًا،  لم ينجح نتنياهو في تشكيل الحكومة أو إقناع جانتس مرةً أخرى في الاشتراك معه في ائتلافٍ حاكمٍ بينهما، وهو ما أدى إلى حل الكنيست مجددًا والتوجه لانتخابات مبكرة ثالثة جرت في 2 مارس الماضي.

التحالف مع نتنياهو

وفي الاستحقاق الثالث في غضون عامٍ واحدٍ، حصد وقتها حزب الليكود الأكثرية وفاز بـ36 مقعدًا، مقابل 33 مقعدًا لحزب أزرق أبيض، لكن خصوم نتنياهو منحوا جانتس وقتها فرصة العمر، كي يتمكن من تشكيل الحكومة، والإطاحة بنتياهو من سدة الحكم، لكنه فرط في هذه الفرصة، وخشى المغامرة بالوثوق في تحالفٍ يجمع أطرافًا متناحرةً خاصةً حزب "إسرائيل بيتنا" اليميني المتطرف والقائمة العربية المشتركة، فآثر الانخراط في ائتلافٍ حاكمٍ مع نتنياهو يتناوب بموجبه الاثنان على رئاسة الحكومة مناصفةً فيما بينهما.

وخشى جانتس من انفراط عقد ائتلافه، الذي يجمع فرقاء سياسيين اجتمعوا رغم اختلافهم من أجل إزاحة نتنياهو فقط، لكنه وثق في نتنياهو، الذي خدعه، حسبما أقرّ جانتس بنفسه بعد فوات الآوان.

تحالف جانتس مع نتنياهو كان بداية النهاية لزعيم "أزرق أبيض"، فكيف كُتب مشهد النهاية؟

كان تحالف الضدّين نتنياهو وجانتس ينص على التناوب على رئاسة الحكومة بواقع سنة ونصف لكلٍ منهما، بحيث يتولى جانتس رئاسة الحكومة مع حلول 21 أكتوبر 2021، فما الذي حدث قبل أقل من سنة من ذلك؟

ظلت أزمة الميزانية هي حجر الزاوية في الصراع الحكومي بين نتنياهو وجانتس، في ظل رفض نتنياهو لإقرار موازنة لأكثر من عامٍ ونصف العام، مما جعل حزب أزرق أبيض يتوجس ويشعر من أن نتنياهو ينوي الغدر بجانتس، ويحول دون توليه رئاسة الحكومة وتبادل الأدوار فيما بينهما، كما هو متفقٌ عليه.

مشهد النهاية لحلم جانتس

وبدأت النهاية تسطر صفحاتها مع حلول شهر ديسمبر الجاري، حينما دعا زعيم المعارضة يائير لابيد لتصويتٍ في الكنيست على حل الكنيست الثالث والعشرين، ووجه الدعوة لجانتس بدعم الخطوة.

وعشية التصويت على حل الكنيست بالقراءة الأولى، اجتمع نتنياهو وجانتس من أجل إيجاد مخرجٍ لأزمة الحكومة المستعصية، لكن الاجتماع لم يبلغ هذا المخرج، وخرج بعدها جانتس ليعلن خلال مؤتمرٍ صحفيٍ أن حزبه سيصوت بـ"نعم" لصالح حل الكنيست.

وقال جانتس وقتها: "نتنياهو قرر حل الحكومة والذهاب للانتخابات بمنعه إقرار الميزانية".

وأردف قائلًا: "نتنياهو يريد أن يجعلنا إحدى الدول الفاشلة. هو قرر تفكيك الحكومة وجرّ إسرائيل إلى الانتخابات، والطريقة التي اختارها هي عدم الموافقة على تمرير الميزانية"، متابعًا "نتنياهو لم يكذب علي بل عليكم.. لم يخدعني بل خدعكم".

ومضت الأيام دون جديدٍ إلى أن أتت اللحظة الحاسمة مع انقضاء أول أمس الثلاثاء، وأعلن رئيس الكنيست ياريف ليفين حل الكنيست، والتوجه لانتخابات مبكرة في 23 مارس المقبل، لتكون الرابعة في ظرف سنتين.

ولكن لن تبقى الأمور على أحوالها، ولن يظل حزب "أزرق أبيض" في طليعة المشهد السياسي الإسرائيلي، في ظل تدهور شعبية الحزب، وفقًا لاستطلاعات الرأي، التي تتوقع تذيله سباق الانتخابات في مارس المقبل.

انهيار شعبية الحزب

وأجرت هيئة البث الإسرائيلية "كان"، قبيل حل الكنيست بيومٍ واحدٍ، استطلاعًا للرأي أظهر أن حزب "أزرق أبيض" سيتذيل السباق بستة مقاعد في الكنيست، كما أظهر استطلاع أجرته "بانيل بوليتيكس"، ونُشر على إذاعة  103FM، أن الحزب سيننال خمسة مقاعد فقط في الكنيست.

هذه الأمور انعكست على أعضاء الحزب، ونقل موقع "آي 24 نيوز" الإسرائيلي عن مصادر داخل حزب "أزرق أبيض" قولها إن الحزب سيتفكك قبل انتخابات الكنيست الإسرائيلي المقبلة، والمقرر لها 23 مارس من العام المقبل.

وقال الموقع: "إن شخصيات رفيعة في حزب أزرق أبيض تنوي اعتزال الحياة السياسية، ومنها جابي أشكنازي، وزير الخارجية الحالي، وآفي نيسان كورن، رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال الإسرائيلية "الهستدروت".

وأشار الموقع إلى أن مسؤولين رفيعي المستوى في حزب "أزرق أبيض" يرون أن حزبهم لن يخوض الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية المقبلة وأن الحزب سيتفكك، مستطردًا بالقول "غير أن رئيس الحزب بيني جانتس، الذي يشغل منصب وزير الدفاع في الحكومة الائتلافية المنهارة، يؤكد أنه سيخوض الانتخابات".

وحول ما الذي دفع جانتس للرهان على اللجوء لانتخابات مبكرة، والقبول بذلك ما دامت ليست في صالحه وفقًا لاستطلاعات الرأي، يقول الباحث الفلسطيني أيمن الرقب، الخبير في الشئون الإسرائيلية: "جانتس خشى أن يخل نتنياهو به وألا يعطيه فرصة التناوب على رئاسة الوزراء، لذلك حاول الضغط على نتنياهو لضمان ذلك".

وتابع في تصريحاتٍ لـ"بوابة أخبار اليوم": "وفي حال عدم الحصول على ضمان بذلك سيذهب للانتخابات، لأنه (جانتس) خاسر في كل الحالات".

اقرأ أيضًا: الانتخابات الإسرائيلية «الرابعة».. هل يُطرد نتنياهو من شارع بلفور؟