أجساد يكسوها «اللون الأزرق».. دفتر أوجاع الناجيات من العنف الأسري

كدمات وأثار ضرب مبرح على أجساد المعنفات
كدمات وأثار ضرب مبرح على أجساد المعنفات

كتبت: شاهندة ابو العز

◄ أمنية: تعرضت للإهانة  كثيرا علي يد زوجي  ..وكان يردد  «كل ماتعيطى هضربك اكتر»

◄ نورهان:  والدى رفض طلاقى .. وكرهت شعرى الطويل بسبب سحلى منه على الأرض

◄ شيرين: الضرب كان مزاج عنده ..  وكان مصمم على تعذيبي خاصة بعد وفاة والدى وأخويا

◄ أخصائية بإحدى مراكز الاستضافة: استقبلنا 207 معنفات يتم تأهيلهن من خلال برتوكول نفسي واجتماعي 

بين ليلة وضحاها أصبحن بلا مسكن ولا أموال، لا تعرفن كيف يتدبرن حالهن، بعدما ضاقت بهن الظروف، وتحملن الضرب والإهانة والطرد من المنزل.. هذا حال الكثير من النساء بمراكز استضافة المعنفات وتوجيه المرأة.. والتي تتبع وزارة التضامن الاجتماعي في محاولة لإنقاذ الناجيات من العنف الأسري.

 

طبقا لبيانات المسح الديموجرافي والصحي لمصر لعام 2014، فإن ما يقرب من نصف النساء المتزوجات في مصر 47.4% تعرضن للعنف الجسدي في وقت ما من حياتهن وهن بالغات، و33% من النساء تعرضن في وقت من الأوقات للضرب، أو الصفع، أو الركل، أو أي شكل من أشكال العنف الجسدي على يد الزوج الحالي أو السابق، و62.6% أكدن التعرض للعنف النفسي، و61% بتعرضهن لشكل من أشكال العنف المعنوي جاء معظمه على هيئة التعرض للسب من قبل الزوج، و60% من حالات قتل النساء جاء على يد أزواجهن.

 

"الأخبار المسائي" رصدت قصص من دفتر أحوال المعنفات:

تبدلت الأحوال وتغيرت كلمات الحب والمشاعر وأصبح السب والشتائم هي لغة الحوار بين أمنية أحمد -اسم مستعار- وزوجها الشاب الذي وعدها بحياة وردية مختلفة عن ما عاشته.

 

حاولت أمنية السكوت عن الإهانة والتعذيب، بعد زف خبر حملها في الشهور الأولى من الزواج ظنت في بداية الأمر أن حملها سيقلل من تطاوله عليها، لكن سرعان ما تلاشت تلك الآمال، حيث ترك الزوج ذو (43) عاماً عمله كسائق وزادت فترات الجلوس بالمنزل وازداد معها الضرب والتعنيف.

 

«كان بينادي عليا بالشتائم، وأسهل حاجة الضرب بيد الترابيزة أو يحدفنى بحاجة ازاز، ولما أعيط يقولي كل ما هتعيطي هضربك أكتر»، كانت كلمات تعبر عن  مرارتها من الأيام التي عاشتها مع زوجها.

 

«استحملي عشان الولاد البيوت كلها كده» اعتادت -أمنية- سماع تلك العبارة عند تكرار شكواها على أسرتها ورؤيتهم الكدمات الزرقاء بجسدها نتيجة الضرب المبرح.

 

المستوى الاجتماعي لأسرة أمنية وخروج أبيها على المعاش ومرض والدتها وعدم توافر الأموال، وقف حاجزا أمامها في رفع قضية طلاق لتنجو بنفسها بعد رفض الزوج الطلاق بالمعروف.

 

لم تتذكر أمنية أسباب جدية للتعنيف الذي تعرضت له أمام أبناءها الثلاثة. 

 

وفي ليلة من ليالي الضرب المبرح والتي كادت أن تعصف بحياة أمنية وبناتها، لم تعرف إلى أين تلجأ حتى استعادت حديث صديقتها معلمة اللغة الإنجليزية، بوجود مكان يستضيف السيدات المعنفات ويتناسب اقتصادياً ويوفر لهن مأوى آمن.

 

تروي أمنية قائلة: «الساعة الـ 3 فجراً وبعد تحضيرات اليوم الأول لمدرسة البنات، ضربني برجل الترابيزة المعدن على رأسي وطردني أنا والبنات بهدوم البيت».

 

فأسرعت بتحرير محضر بقسم الهرم، وسألت صديقتها، أين يوجد مركز الإستضافة وذهبت بالفعل، وتمكث حاليا وبناتها الثلاثة بمركز الإستضافة بالجيزة بعد تأهيلها نفسياً واجتماعيا من أثر العنف التي تعرضت له واحتواءها. وتبحث عن فرصة عمل.

 

 

حلق إجباري

بعد مرور 14 يوما على زواج نورهان طارق -اسم مستعار- ذات الـ 33 عاماً كانت على موعد أول خلاف مع زوجها، بدأ بمناقشة لإقناع بعضهما البعض، لكن سرعان ما تغيرت حدة الكلام لتصير مشادة كلامية يتخللها أبشع الألفاظ والسباب انتهت بضربها ضرب مبرحاً.

 

«اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية» مقولة لا يعترف بها زوج نورهان فكل خلاف أو اعتراض ينتهي بالضرب والإهانة والذل، 11 عاماً من الزواج صبرت فيهم السيدة على الضرب المتكرر والإهانة والتعنيف  لأجل الحفاظ على أسرتها وأطفالها الأربعة أعمارهم متفاوتة ما بين الـ 3 إلى 10سنوات.

 

 حاولت نورهان  الاستنجاد بوالدها وأشقائها الذكور أكثر من مرة بعدما كسى اللون الأزرق جسدها من كدمات الضرب، لكنها عادت خائبة الظن فلم يستطع أحد أخذ حقها.

 

باتت تعاني من القولون العصبي، وكرهت شعرها الطويل، لدرجة تفكيرها فى حلقه «على الزيرو»،  بعد النزاع والتنكيل بها أرضاً وسبها بالأهل وشدها وسحبها.

 

بعد يأسها من مساعدة اخيها لها، وضربها يوميا وسحلها من شعرها على الأرض، أصبحت تتردد على مركز استضافة المعنفات أكثر من ٤ سنوات، بعد علمها عن طريق الصدفة أن هناك مأوى آمن للمعنفات.

 

ضربة موت

 

انزوت شيرين حسن - 36 عاماً في أكثر أركان غرفتها ظلاماً، ترتعد خوفاً وتكتم بكاءها كي لا تتعرض للضرب ثانية، بعد مشادة كلامية وسُباب مع زواجها بسبب تحريك ترابيزة المعيشة.

 

فمع أول نزاع في السنة الأولى من الزواج كان السُباب بالأهل والاعتداء بالضرب مصيرها كي تتعلم كيف تسمع الكلام دون مجادلة، لم تنتظر السيدة لليوم الثاني أخذت حقيبتها مسرعة على بيت والدها وأخيها تقص لهم ماتعرضت له، ليأتي ردهم «ارجعي وعيشي».

 

مرت الليالي وحملت شيرين بطفلها الأول عبدالرحمن ظنت أن وجود طفل سيغير من زوجها سليط اللسان والعصبية الشديدة ويحد من تصرفات العنف لكن دون جدوى.

 

توترت حياة شيرين يوم بعد يوم قائلة: الضرب كان مزاج عنده، لا يوجد ما يستدعي الخناق أو المشاكل، قالت: «أخذ ميراثي ورفض  فتح مشروع صغير يدّر علىّ دخلاً حتى يظل هو المتحكم بي».

 

قضت شيرين 10 سنوات من الزواج تتعرض لجميع أنواع العنف والتعذيب، وتسبب الضرب بالسكين مرتين إلى عاهات مستديمة بيدها وكتفها، وتسبب ضربه المبرح بالعصا والحزام إلى إصابة رأسها مرتين بأكثر من 4 غرز، حتى قررت الموافقة على امضاء تنازل عن جميع حقوقها المادية حتى تستطيع إتمام الطلاق وإنهاء التعذيب التي تعيش به.

 

لجأت شيرين وأطفالها الاثنين إلى مركز استضافة المعنفات بعد رؤية منشور على موقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك، عن أماكن آمنة للنساء المعنفات ، حيث قامت بالاتصال بهم، بعدما تنازلت عن جميع حقوقها حتى مسكن الزوجية.

 

ضرب تحت الحزام

جلست أم ياسين -اسم مستعار- بغرفتها تحاول تدبير مصاريف الأقساط والإيجار وطلبات المدرسة، تحسب ما تحتاجه من أطعمة وتموين لهذا الشهر، بعدما طرحت ضرباً من زوجها مطالب إياها بالإمساك في المصاريف وعدم التبذير.

 

لم تبخل أم ياسين طيلة الـ10 سنوات بصحتها لأجل الحصول على لقمة عيش بالحلال تساند زوجها العامل بالمحارة في أعباء المصاريف عملت بالمنازل والمصانع والمطابخ، حتى تمكن المرض منها وأصيبت بالتهابات حادة فى فقرات ظهرها، خضعت على أثرها لعملية لتركيب شريحة و 4 مسامير.

 

"بعد العملية كان يضربنى بالحزام ويعذبنى عشان أنزل أشتغل وأساعد في مصاريف البيت"، هذا ما قالته أم ياسين، مضيفة أن التزاماتها اتجاه الأقساط والإيجار ومصاريف المدرسة والدروس جعلتها تحث زوجها على العمل في كل ما يتاح له لتوفير المال، الأمر الذي لم ينال إعجابه ليزيد من المشاحنات والنزاعات والعنف تجاهها وتجاه الأطفال.

 

 

في ليلة دامية من الضرب والإهانة تعلوها أصوات الصراخ وبكاء الأطفال، حاولت أم ياسين الاستنجاد بأخيها الأكبر لكنها تفاجأت به قائلاً " بيتي هيتخرب بسببك، ومراتي مش هتستحملك".

تسبب وقف عملها في نقص حاد بمدخرات المنزل، وعدم وتوفير احتياجاته، في طردها من المنزل 

وبعد خبرتها  إلي أين تذهب بأبنائها وجدت مركز استضافة المعنفات بجانب سكنها جعله أول الحلول المناسبة لمأوى آمن.

207 معنفات بمراكز استضافة التضامن

و"تستقبل مراكز استضافة المعنفات، الكثير من النساء التي كان الطرد والضرب والإهانة مصيرهم حيث توفر لهم مأوى آمن ومساعدات"، بهذا بدأت مروة نبيل الإخصائية الاجتماعية بإحدى المراكز حديثها قائلة: نحن نستقبل كل أنواع العنف ضد النساء فوق سن ١٨ عاماً، حيث يعمل المركز على تقديم مساعدات إنسانية من مأكل وملبس ومأوى آمن، بالإضافة إلي تكفل المراكز بـ مصاريف السيدة وأبنائها أو الفتاة المعنفة.

 

وأضافت مروة، يتم تأهيل المعنفة بمجرد دخلوها المركز من خلال برتوكول نفسي وإجتماعي وممارسة الأنشطة الرياضية، أوحفلات السمر لتخفيف الضغط التي تعرضت له.

وقدمت التضامن الاجتماعي من خلال مراكز استضافة وتوجيه المرأة ٦٤٤ توعية للنساء المعنفات ، و٢٦٩ استشارة قانونية و ٣٩٦ استشارة نفسية و ٧١٣ استشارة اجتماعية، بالإضافة إلى توظيف ٤٢ معنفة.

 

ووفقاً لإحصائيات لـِ عام 2019، استقبلت مراكز استضافة المعنفات التابع لوزارة التضامن الاجتماعي والذي يقدر عددهم بـ 8 مراكز بمحافظات مصر المختلفة 207 سيدة و 166 طفل.