تحقيق| الصفقة المشبوهة.. هل تسرق شركات تركيا أموال التونسيين في مطار النفيضة؟

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

''لقد باعوا تونس بالمجان إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان''.. تصريحٌ صادمٌ أدلى به نور الدين الطبوبي، الأمين العام لاتحاد الشغل في تونس، قبل عدة أشهر، كان بمثابة الذي ألقى كرةً من اللهب أشعلت أجواء العلاقات بين تركيا وتونس.

وقال الطبوبي حينها إن "الدولة لم تتلق مليمًا واحدًا من الشركة التركية المشرفة على مطار النفيضة الحمامات الدولي شمال شرق البلاد"، متهمًا أحزابًا لم يسمها تولت السلطة بعد ثورة الياسمين 2011 بالتستر على هذا الموضوع.

وأشار الأمين العام لاتحاد الشغل التونسي إلى أن هذه الأحزاب لم تتطرق إلى الموضوع حفاظًا منهم على كرسي الحكم تحت وطأة الضغوط الخارجية، حسب وصفه.

وفي وقتٍ لاحقٍ، وصف الطبوبي الأمر بـ"الصفقة المشبوهة"، قائلًا إنه "تم إبرام اتفاق لتمكين الجانب التركي من تخفيض نحو 65 بالمائة من امتياز استغلال مطار النفيضة الحمامات الدولي من خلال جدولة ديونه".

وتابع قائلًا، في حديثٍ لصحيفة "لابراس" المحلية الناطقة بالفرنسية، "من خلال الاتفاق الذي تم للأسف في سرية تامة وكأننا أهدينا مطار النفيضة مجانًا للأتراك".

واعتبر الطبوبي أن هذه المسألة خطيرة للغاية، حسب قوله، مطالبًا بفتح تحقيق في هذا الملف للكشف عن ملابسات هذا الاتفاق، وتتبع كل من اتخذ القرار بشكل أحادي دون القيام باستشارة واسعة مع مجلس نواب الشعب (البرلمان).

خيوط القضية، التي فجرها الطبوبي، نُسجت حول حركة النهضة الإسلامية ومواليها، باعتبار أن هؤلاء هم المقربون من نظام الحكم في تركيا، الذي يحمل أيدلوجية سياسية ذات جذور إسلامية أيضًا.

ومطار النفيضة الحمامات هو مطار دولي تونسي يقع في مدينة النفيضة على الساحل التونسي على بعد 40 كم جنوب شرق مدينة الحمامات، ويمتد المطار على مساحة 3400 هكتار.

صفقات في زمن «التريكا»

ويقول أيمن العبروقي، الكاتب الصحفي والمحلل السياسي التونسي، إن الصفقات الاقتصادية التي تم إبرامها في زمن "التريكا" بين 2011 و2014 تحوم حولها شبهات فساد، مشيرًا إلى أن هناك عددًا من الخبراء الاقتصاديين الذين أكدوا أنها لا تخدم إلا تركيا ونظامها المقرب من حركة النهضة.

ويوضح قائلًا: "في فترة التريكا التي حكمت تونس بعد الثورة والتي كانت حكومة تتركب من النهضة وحزبي المؤتمر من أجل الجمهورية والتكتل تم تقديم امتيازات لرجال أعمال أتراك للحصول على استثمارات في تونس لم تقدم شيء لتونس وكانت مربحة للأتراك على غرار صفقة مطار النفيضة".

ويضيف العبروقي لـ"بوابة أخبار اليوم"، "وهناك حديث على أن المسؤولين من النهضة والموالين لها تحصلوا على أموال طائلة من النظام التركي برئاسة رجب طيب أردوغان ولم يقتصر الأمر على بعض الاستثمارات بل إن الأتراك أصبحوا شركاء في عدد من القنوات الخاصة المقربة من النهضة وأصبحوا أبواق دعاية لتركيا في تونس والاستثمار  التركي في الإعلام الخاص التونسي بات مثيرًا للقلق لأنها أصبحت قنوات لتمرير غزو ثقافي وأبواق دعاية لأردوغان في تونس ولمشروعه التوسعي في المنطقة".

ويتابع قائلًا، "ومن جهة أخرى طالب عدد من الخبراء في الاقتصاد بمراجعة اتفاقية الشراكة التجارية مع تركيا لأنها لا تخدم تونس أبدا فتركيا لا تستورد شيئا من تونس فحين تونس تورد منها كل أنواع السلع خاصة السلع  ذات القيمة الرديئة التي لا تباع في الأسواق الأوروبية، كأن تونس أصبحت سوقا للخردة التركية، كما يتم توريد النسيج وبعض المنتجات الفلاحية التي أضرت بالمنتج المحلي".

ويمضي العبروقي قائلًا، "لذا طالب عددٌ من الخبراء بالنسج على منوال المملكة المغربية ومراجعة اتفاقية الشراكة مع تركيا التي ساهمت بشكلٍ كبير في ترقيع العجز في الميزان التجاري الذي بات من أبرز الإشكاليات الاقتصادية في تونس".

حق انتفاع للشركة التركية

ومن جهته، يقول عز الدين سعيدان، المحلل الاقتصادي التونسي، إنه لا توجد جهة رسمية في تونس ذكرت حجم الاستثمارات التركية في البلاد.

وحول الوضع القانوني في مطارات النفيضة الحمامات، يشير سعيدان لـ"بوابة أخبار اليوم" إلى أن المطار تم تمويله من طرف الشركة التركية "TAV"، ووفقًا لبنود التعاقد فالشركة لها حق الانتفاع بالمطار واستغلاله لمدة أربعين سنة.

ويذكر المحلل الاقتصادي التونسي أن هذه الطريقة معمول بها في عديد من دول العالم، وأن الاتفاق من المفترض أنه يعتبر في صالح الطرفين، بأن تونس أصبح لها مطار، وفي المقابل الطرف التركي يستفيد من المقابل المادي والعائد الضخم من وراء المطار، لكن الإشكالية، حسبما يرى عز الدين سعيدان، في أن هناك عدم توازن في العلاقات الاقتصادية بين تونس وتركيا بشكل عامٍ، وليس في هذا المطار فحسب.

ويتحدث سعيدان عن أن هناك عجزًا تجاريًا متفاقمًا مع تركيا، لافتًا إلى أن هذا العجز وصل إلى مليار دولار، لذا فالعلاقات والمصالح المتبادلة ليست متوازنة بين الطرفين.

وحول ما إذا كانت هناك شركات أخرى خلاف الشركة التركية عرضت إنشاء مطار النفيضة الحمامات، أذعن المحلل الاقتصادي التونسي عن أنه كان هناك شركات أخرى خلاف الشركة التركية، مبينًا أن الاستثمار في مطار النفيضة الحمامات هو أكبر استثماري تركي في تونس، إلى جانب استثمارات في قطاعات أخرى.

ويشير سعيدان إلى أن الطرف الوحيد الداعم للشركات التركية هو حزب النهضة الإسلامي، إضافةً إلى مجموعة أحزاب أخرى أقل أهمية تحت اسم "ائتلاف الكرامة"، مضيفًا أن هذا الائتلاف يملك مواقف متسقة مع حزب النهضة.

التسلل التركي في تونس

ومن جهته، يقول الجمعي القاسمي، محلل سياسي تونسي، إن التسلل التركي إلى تونس بدأ منذ وصول تنظيمات الإسلام السياسي إلى السلطة، ومنها حركة النهضة، وهو ما ساعد تركيا على السيطرة على السوق التونسية.

ويتحدث القاسمي لـ"بوابة أخبار اليوم" عن أن عجز المبادلات التجارية ارتفع إلى أرقام مهولة خلال آخر خمس سنوات، مضيفًا أن كل المؤشرات تقول إن تركيا هي المستفيدة أولًا وأخيرًا من البلاد، معللًا سبب ذلك إلى انخراط مجموعات في النظام السياسي سهلت على تركيا في السوق التونسي، إلى جانب تغلغلها في مناطق حيوية ومعدات عسكرية.

ويقول الجمعي القاسمي لـ"بوابة أخبار اليوم"، إن نور الدين الطبوبي يقود أكبر منظمة رقابية في البلاد، وكلامه هو محل ثقةٍ في هذا الأمر".

ويضيف المحلل السياسي التونسي، "من المؤكد أن المطار (مطار النفيضة الحمامات) يقوم بأنشطة مشبوهة، وعديد من الجهات في تونس حذرت من هذا الوضع".

وحاولت بوابة أخبار اليوم التواصل مع أطراف أكثر في القضية، على رأسها ديوان الطيران المدني والمطارات في البلاد، لكشف خيوط القضية بصورةٍ كاملةٍ، لكن تعذر التواصل معها ولم يتسنَ الحصول على ردٍ منها بحصول الاتهامات الموجهة تجاه صفقة مطار النفيضة الحمامات.

وفي ظل ما تناولناه آنفًا تظل أنشطة تركيا في شمال أفريقيا، وتحديدًا في تونس، مثار جدلٍ واسعٍ، وقد أظهرت الأمور المطروحة حول صفقة مطار النفيضة الحمامات جزءًا من تلك الأنشطة، التي يراها الكثيرون لا تخدم سوى تركيا بالدرجة الأكبر، في المقابل تترك تونس ترزخ تحت وطأة مشاكل اقتصادية، والتي أثقلت كاهل البلاد في الآونة الأخيرة مع تفشي جائحة وباء كورونا.