محمد البهنساوى يكتب .. رأس التين بين الباشا والرقيب

الكاتب الصحفي محمد البهنساوي
الكاتب الصحفي محمد البهنساوي

الوحوش .. لا تعرف المستحيل !

أكبر تحديث لقوتنا البحرية .. والتكلفة صفر في موازنة الدولة

تنوع السلاح أصبح حقيقة .. فرقاطات فرنسية وكورية .. غواصات المانية .. واللنشات روسية وصينية

خير أجناد الأرض استوعبوا في شهرين ما عجز عنه الآخرون في عام ونصف

فرض السيطرة على البحرين الأبيض والأحمر .. و"ظهر" في قلب المهمة


قبل حوالي قرنين من الزمان .. كانت البداية .. حصن رأس التين أنشأه محمد على في مدينة الإسكندرية ليكون نواة لجيش قوى.. سعى محمد على لإنشاء هذا الجيش .. ليكون حجر الأساس لمصر الحديثة القوية المتقدمة .. التي يتطلع لإقامتها.. وكان في القلب من هذا الجيش بالطبع قوة بحرية عظيمة .. تكون محور ارتكاز لجيشه المنتظر ..والأداة التي يحمي بها سواحل مصر .. وتحمل جيشه الوليد إلى المناطق التي كان يخطط ويحلم بالوصول إليها .. وكان له ما أراد .

ومن قاعدة رأس التين كانت شرارة البداية .. قاعدة عسكرية قوية بسواعد مصرية .. وجيش عصري قوى .. في القلب منة قوات بحرية يطلق علي جنودها منذ هذا وصف "الوحوش" وكان لمحمد على ما أراد وخطط .. ساعده الجيش المصري الباسل في بناء دولته الحديثة وحماية انجازاتها .. ليس هذا فحسب .. إنما امتدت انتصارات وفتوحات هذا الجيش المصري القوى ..  لتغزو دول في اوروبا .. وتلامس حدود ممالك تاريخية كبرى .. بل وتقف على أعتاب الباب العالي وتهدد عرش الدولة العثمانية نفسها .. ويبحر الجيش جنوبا بطول نهر النيل فاتحا ومنتصرا .. وتقف حدوده على شاطئ البحر الأحمر شرقا وغربا ليحقق جيش مصر الوليد وقتها في سنوات ما حققته الممالك الكبرى في عقود بل قرون.
ومنذ هذا التاريخ .. والوحوش المصرية لم تعرف المستحيل .. ولم تتوقف عن تحقيق المعجزات العسكرية التي لا يصارعها فيها احد .. حتى بعد نكسة يونيو 1967 .. لم يتسلل اليأس أو الخوف إلى نفوس الوحوش .. وكانت الضربة الأولى للعدو الاسرائيلى بيد هؤلاء الوحوش .. وبعد النكسة بأسابيع .. عندما أرسل العدو مدمراته إلى شواطئنا .. لتستعرض قوتها .. وتلقى الرعب واليأس في نفوس المصريين.

وجاءت الملحمة التي غيرت الفكر العسكري البحري في العالم اجمع .. عندما تصدى وحوش القوات البحرية البواسل للمدمرة الإسرائيلية " ايلات" .. لم تكن القوة متكافئة .. مدمرة هى الأحدث .. ولنشان من لنشات صواريخ قواتنا البحرية .

لم تعرف المعارك البحرية قبلها أو بعدها معركة بين مدمرة ولنش صواريخ .. لكن جسارة الوحوش المصرية استطاعت إغراق المدمرة ايلات بطاقمها ليتوقف التاريخ العسكري أمام هذه المعركة الغير متكافئة .. فقد كانت بكل المدارس والحسابات العسكرية في صالح العدو من حيث المعدات والتسليح .. لكنها وبدون جدال كانت في صالح وحوشنا من حيث العزيمة والقوة والإيمان بالله والوطن الجريح وقتها.
وتحولت تلك المعركة إلى عيد لقوتنا البحرية ويوم الخميس الماضى كنا على موعد لحضور الاحتفال بهذا العيد الذي مر علية 50 عاما كاملة .. تغير فيها التسليح وأوضاع قوتنا البحرية .. لكن لم تتغير طبيعة رجالها.. لأنها ثابتة وعميقة منذ إنشاء هذه القوات في عهد محمد على .وفي نفس القاعدة برأس التين كان الاحتفال

لم تكن مجرد احتفالية .. إنما عيد فخر وزهو وطمأنينة لكل المصريين .. ويكشف بوضوح شديد فكر القيادة السياسية وعقيدة قواتنا المسلحة .. وقدرة وعبقرية الجندي المصري الذي يبهر العالم أينما وجد .. فالرئيس عبد الفتاح السيسي الذي يسعى لإنشاء العديد من المشروعات القومية الكبرى في أراضى وصحراء ومدن مصر .. وأيضا في مياهها الإقليمية شمالا وجنوبا .

تلك الطفرة المنتظرة في حاجة إلى قوة حقيقية تحميها .. وإذا تحدثنا على هذا الجانب فيما يخص قواتنا البحرية .. فما أدل على تحقيق هذا الهدف مما شهده الاحتفال من قيام الرئيس برفع علم مصر على 4 قطع بحرية هي الأحدث في العالم .. تختلف هذه الوحدات لكن هدفها واحد .. ليس فقط فرض السيادة على المياه الإقليمية المصرية .. إنما  حماية الحدود البحرية للدول الشقيقة .. تلك القطع هي حاملة الهليكوبتر " أنور السادات" من طراز ميسترال سوف تقود كما هو معروف الأسطول الجنوبي بعد أن أصبح لدينا أسطولين لحماية الحدود والانجازات في كل اتجاه .. بجانب الفرقاطة الفاتح من طراز " جو ويند"  والغواصتين 41 ، 42 طراز 209 وإذا أضفنا هذه القطع إلى ما تم ضمه هذا العام الى قواتنا البحرية .. ندرك إلى اى مدى وصلت تلك القوات من القوة .. ناهيك عن أن كل تلك القطع هي الأحدث في العالم .. فهناك بالطبع حاملة الهليكوبتر جمال عبد الناصر والفرقاطة تحييا مصر طراز فريم الفرنسيتين ولنش الصواريخ الروسي طراز مولينا بخلاف لنشات المرور الساحلي والقاطرات واللنشات السريعة .

هذه القوة التي أصبحت تتمتع بها قواتنا البحرية التي أضحت في مصاف القوات البحرية للدول العظمى .. ليس الهدف منها حماية سواحلنا وردع كل من تسول له نفسه الاقتراب منها . وإنما لحماية المشروعات الاقتصادية الكبرى خاصة حقل " ظهر" الذي يقع في قلب المتوسط أمام سواحلنا وتمثل أملا اقتصاديا واعد لمصر.

وإذا كنا نتحدث ومنذ عقود على حرص مصر على تنوع مصادر سلاحها .. هذا الهدف كان يتحقق لكن ليس بالنسبة الكبيرة أو المنشودة .. ربما كانت هناك حسابات معينة تحكم تنوع مصادر السلاح .
ألان يتحقق هذا الهدف بصورة غير مسبوقة .. فحاملات الهليكوبتر والفرقاطات فرنسية .. والغواصات ألمانية .. وهناك فرقاطة منتظر انضمامها من كوريا الجنوبية .. ولنشات وتسليح للوحدات البحرية من روسيا .. ووحدات أخرى من الصين .. اى تنوع للسلاح بعد كل هذا .. فمصر التي تحرص على الحفاظ على علاقتها القوية والمتميزة مع أمريكا هي نفسها أيضا التي تسعى وراء أولا ما يخدم مصالحها وثانيا ما يحافظ على توازن علاقاتها الدولية في مختلف الاتجاهات .. واعتقد أن هذا نتاج لما تتسم به السياسة المصرية الخارجية حاليا.

ولم يقف التسليح عند حد استقدام الوحدات البحرية الأحدث من العالم .. لكن لم يتم إغفال التصنيع المحلى .. فهناك وحدات ذات تصنيع مشترك .. ومنها القرويطات واللنشات .. وهناك تصنيع بالجهود الذاتية ومنها لنشات إرشاد وقاطرات واللنشات السريعة.

والأروع في هذه الملحمة من التحديث التي لا تطال فقط القوات البحرية .. إنما كافة الوحدات والأفرع الرئيسية لقواتنا المسلحة الباسلة .. هذه المنظومة لا تكلف الموازنة العامة للدولة مليما واحدا عكس ما يردده المتربصون باى انجاز من أن جهود التنمية أولى بهذه الأموال .. هؤلاء الأغبياء بالطبع لا يدركون أنه بدون قوة عسكرية رادعة لمصر .. لم نتمكن من تحقيق اى انجاز ولانقض عليها الأعداء من كل حدب وصوب وما أكثر هم حتى وان كانوا ممن نعرفهم أو من لا نتوقع عداوتهم وغلهم تجاه مصر وشعبها .

نسينا ان نشيد ضمن خطط التطوير والتحديث بما تم إنشائه من قواعد بحرية جديدة .. لتلبى المتطلبات والمهام الجديدة للوحوش .. والتسليح المتسارع بجانب يد التطوير والتحديث التي تمتد حاليا إلى كافة القواعد البحرية الحالية وعلى رأسها بالطبع قاعدة الإسكندرية برأس التين.
ولقواتنا البحرية أياد بيضاء عديدة حاليا لا تقف عند حماية السواحل والمشروعات القومية الكبرى إنما نراها ساطعة في عرض البحر تشارك وبقوة في الحرب الحالية على الإرهاب سواء بمنع تسلل العناصر الإجرامية الى أراضينا خاصة في سيناء أو منع اى إمدادات إلى قوى الشر في الداخل .

وكم سعدنا ونحن نتجول داخل إحدى هذه الوحدات الجديدة لقواتنا البحرية .. وفى الفرقاطة الفاتح ووسط ترحيب وود ودفئ من طاقمها بدء من قائدها وحتى اصغر مجند .

وكم ابهرنا إلمام المجندين والصف لكل ما يحيط بمصر .. فها هو الرقيب محمد يشاركنا الحوار ويشرح بعمق كافة التحديات التي نواجهها وكم كان هو ورفاقه سعداء بما صنعوه .. ولقد علمنا أن الشركة الفرنسية المصنعة للفرقاطة أبهرهم هؤلاء الوحوش الذين استوعبوا وأتقنوا العمل على تلك الفرقاطة في شهرين فقط .. رغم إن دول أخرى أرسلت قواتها من حوالي عام ولازالوا يمارسون التدريب .. فالشركة لا تقبل بتسليم وحداتها إلا بعد التأكد من أن القوات التي تتدرب عليها استوعبت كل صغيرة وكبيرة فيها .. وهذا ما حدث مع المصريين فقط .

حقا فالوحوش كما هم منذ محمد على باشا الذي أدرك جينات العظمة لدى المصريين إلى الرقيب محمد الذي ابهرنا أيضا بعظمته و إيمان ورفاقه بوطنهم وجيشهم .. فهؤلاء هم خير أجناد الأرض. .. حفظهم الله من كل سوء